حِيْنَ يَغْزُو اليأْسُ أَعْمــاقَ البَشَرْ
يُصْبِحُ الحَيُّ شَـــــــبيهاً بِالحَـــــجَرْ
يَجْمُدُ الإِحْساسُ.. تَنْشَــلُّ الرُّؤَى
وَيَصِيرُ المَــــــرْءُ مَغْـــــلُولَ البَصَرْ
مَا لِعَيْشٍ عِـــــــــــنْدَهُ مِنْ قِيْـــــــمَةٍ
صُـــــــوْرَةٌ جَوْفَاءُ.. تَتْلُوها صُـوَرْ
بَلَدِي.. وَالحِــــــرْبُ فِي أَرْجَـــــــائِهِ
سَاحَةٌ لِلْمَوتِ.. جِـــــزْءٌ مِنْ سَقَرْ
طَمِعَ الأَعْـــــــداءُ فِي خَــــــــــــــيْراتِهِ
فَاسْــــتَبَاحَتْهُ المآسِي وَالغِـــــــــــــيَرْ
بَادَرُوا بِالقَــــــــــتْلِ مَعْ هَدْمِ البِنَى
وَمِنَ التَّارِيخِ لَمْ يُبْـــــــــــــــــــقوا أَثَرْ
لَمْ يُراعُـــــــوا ذِمَّـــــــةً أَوْ حُــــــــــرْمَةً
جَاوَزُوا إِجْــــــــــرامَ "هُولاكُو" التَّتَرْ
صَوَّرُوا سُــــــــــورِيَّتِي حُـــــــــــوْرِيَّةً
لِعَبِــــــــيْدِ الجِنْسِ؛ أَشْــــــباهِ البَشَرْ
وَصْلُها طَقْساً غَـــــــــدا فِي دِيْنِهِمْ
وَمَــــــــــفازاً بِالنَّعِــــــــيمِ المُنْتَــــــــظَرْ
وَتُرَى أَجْسَــــــــــادُهُمْ عَامِــــــــــــــــرَةً
شَـــــجَرٌ عَـــــــالٍ.. وَخَـــالٍ مِنْ ثَمَرْ
صَــــــــــــنَّفُوا النَّاسَ بِصِنْفَيْنِ؛ فَمَنْ
آمَــــــــــــــنُوا فِي غَيِّهِمْ، أَوْ مَنْ كَفَرْ
كَفَّـــــرُوا الأَلْبابَ.. ذَمُــــــــّوا أَهْلَها
أَوْكَلـــــــــُوا لِلْجَــهْلِ تَفْسِيرَ السُّوَرْ
تَحْتَ أَسْـــــــماءٍ تَمـــادَى غَــــــــيُّها
جَعَـــــلُوا التَّــــــحْرِيرَ عُدْواناً وَشَــرْ
مَرَّتِ الأَعـــــــوام ثَكْلَى.. كُلَّــــــــما
مَرّ عَــــــــامٌ.. يَبْتَلِــــــينا بِالأَمَــــــــرْ
قِيْلَ: كَيْفَ اليَأْسُ يَجْتاحُ الحِمَى!
كَيْفَ مِنْ أَسْوارٍ نَفْسٍ قَدْ عَــبَرْ!
قُلْتُ: أَوْهَـــــــــانِي انْتِظَارِي.. فَإِذا
حَادَ بِي ضَعْفِي.. تَعَــــدَّانِي وَمَرْ
كَيْفَ أَجْلُو اليَأْسَ عَنْ لَيْلِي، وَقَدْ
غَابَ عَنْ ظَلْمَـــــــتِهِ نُــــوْرُ القَمَرْ
لا تُخِيْفُونِي بِذُلٍّ قَــــــــــــــــــــــــادِمٍ
فَأَنا المَبْلُوْلُ، لا أَخْشَى المَطَرْ
لَيْسَ مِنْ عَــــــــدْلٍ بِدُنْيانا.. وَمَنْ
كَانَ أَقْوَى.. فَعَلَى العَــدْلِ انْتَصَرْ
قِيْلَ: لِلآمًـــــــالِ جَـــــــدْواها.. فَكُنْ
آمِلاً بِالفَـــــــوْزِ.. تَظْـــــفَرْ بالخَبَرْ
قُلْتُ: بَلْ لِلأَمَــــــــــــلِ الآتِي مَدىً
وَلَهُ عُـــــــــمْرٌ وَرُوْحٌ تُحْــــــــــتَضَرْ
شَاخَتِ الآمالُ فِي صَدْرِي.. وَمَا
أَلْتَقِي الأَحْــــــلامَ.. إِلاَّ مَــــــــا نَدَرْ
فِي بَوادِي التِّيْهِ أَبْغِي مَوْطِـــــــــناً
أَجَّجُـــــوا فِيْهِ التَّجافِي.. فَاسْــتَعَرْ
قِيْلَ: لا تَيْأَسْ.. فَما اليَأْسُ سِوَى
خَطَـــــرٍ.. قَـــدْ لا يُوَازِيهِ خَــــــــــطَرْ
قُلْتُ: يَأْسِي جَــاءَ مِنْ فَقْدِ الرَّجا
بِتَلاشِي مِحْنَتِي.. بَعْـــــــــــدَ النَّظَرْ
وَزَوالُ الشَّيءِ أَمْــــــــــــــــــــــرٌ لازِمٌ
لَنْ تَرَى شَيْئاً، وَفِي الدُّنْيا اسْتَمَرْ
كَلُّ حَيٍّ سَــــــــوْفَ يَلْقَى حَتْـــــــــفَهُ
لَيْسَ يُنْجِــــــيهِ مِنَ المَـوْتِ الحَذَرْ
أَشْــــــرَفَ العُـــــــمْرُ عَلَى آخِـــــــــرِهِ
مَا انْتَهَى لِلْفَــــــوْزِ فِـيْهِ مَنْ صَبَرْ
لَمْ تَذُقْ لِلـــــــنَّوْمِ طَعْـــــــــماً أَعْيُنِي
فَفِراشِـــــــي وَلِحَــــــــــــــــافِي مِنْ إِبَرْ
وَأَتُونُ الحُـــــــزْنِ حَـــــــــرَّاقُ المُنَى
كُلُّ شَيءٍ مُفْـــــــــــرِحٍ فِيْهِ انْصَهَرْ