هذا كان وعدُ "خالد" حين انتهت "شهام" من كل أسئلتها ..
أقفل لها الحيرة بصدرٍ رحب وبكل ثقة وسرور اجتاز امتحان حبها الدفين ..في الحقيقة كانا يُحبان بعضهما كثيراً ..متوحدان في كل أفكارهما.. روحاً في جسدين ..دربهما واحد لكن المسافة عقربٌ يلسعُ حلمهما ..
في هذه الظروف القاسية صار للحب شروط ومقاييس أمان..والموت أسهل من أمل اللقاء.
في نفسها بدتْ أكثر تأزماً عندما قالتْ له : لن أسألك كل تلك الأسئلة إلا لتقرأ مخاوفي قبل سعادتي بك ..
-ومن قال بأني متكدّرٌ من أسئلتك ..سعيدٌ بك
هذا ما قاله وصَمُتَ ..لكنه أردفَ بكثيرٍ من الجديّة حين قال:
-أحبُكِ في كل أحوالك رغم البعد بيننا والمستحيل لكن ثقي
لو لم يبق أمامي فرصة غير اختطافك .. سأفعلها..
بالنسبة "لشهام" لم تعجبها الفكرة حتى لو كانت مزحة قلّبتْ شفتيها وعقدتْ حاجبيها ولو أنه موجود أمامها لتصرفت بشكلٍ أحمق ..لكنه عبر شاشة الحاسوب راح يكتب .
-ها ...."شهام" يصلك الكلام
-لا عليك يصل ..
-هل أعجبتك الفكرة
بعد صمتٍ ليس بكثير رجعت للفكرة وتبسمتْ ثم كتبت له
-جداً أعجبتني ما أحلاها فكرة ولكن ألا ترى بأنها صعبة المنال وبعيدة عن التصديق ومع هذا فيها متعة كبيرة ،أتعلم يا "خالد رغم أننا في كثير من الأحيان نعرف بأننا نغرق في وهم ولكن نحبه ونحب الغرق به أكثر
أودُ فعلاً الوصول إليك والجلوس معك ومعاشرة وقتك أستيقظ وأنام بين يديك وأدقُّ كأس الحلم لأول مرة ...آآآآآه صدقاً صدقاً أعجبتني الفكرة .
أرجوك إن كان حلماً فدعني به غارقة ..
-ليس حلماً ..سأفعلها يوماً ما ..ثقي بكلامي
-ههههههه هكذا وبكل بساطة تحكي أمنيتك وكأنك وفي البلد ذاتها ..قريباً من بيتي والفاصل بيننا شارع ... يا لجنونك ما أحلاه..
-أعطني وقتاً ، سأكون وسأفعل ...
-طيب ..لنرى
أغلق معها الحديث وتركها فريسةً للقلق وقافلة من ظنونٍ تأتي بها وتجيء وكان للحلم الجميل محطة في كثير ٍ من وقتها ..
مرَّ بها الحال هكذا أكثر من شهرين لم يطرأ عليها شيء من التجديد تحادثه مرةً ، ومرةً ينوص شوقه بدافع الكبرياء الرجولي ..ومرةً يحنُّ لها فيصير أكثر قرباً لها .. لكنه ذات مرةٍ وفي أوج اندماجهما سألها ..هل ما زلت تنتظرين فكرتي يا "شهام" ..
-طبعاً..
-حسناً لا تقلقي ستكونين معي ..
عادت "شهام" لحيرتها تلوم نفسها على قبول هذه المزحة الصعبة وتحكي مع نفسها ..
-يا إلهي كيف تورطتُ بالقبول ماذا لو أنه يحكي بصدق ..أيجوز أن أنسى أصدقائي ..بيتي ..أهلي .والمصيبة الأكبر بأني متزوجة ..كيف سأكون أنانية في الوقت الذي كنت فيه جسراً لخطوات أبنائي ..كيف سآخذ شيئاً ليس لي في الوقت الذي تعودت فيه الإعطاء ..
قليلاً ثم عادت للحلم الجميل وبدأت بالهذيان مجدداً ..
-ولمَ لا أتنفس وأشعر بالحياة ..لمَ لا أغادر الحزن وأكتحل بوميض ضوء ..لمَ لا أنسى أني من صلصال وجع وأرتدي وجه القمر ..
ما هي إلا لحظات تعاسة حلمت بها ورجعت لتوازنها لكن بإشراقة وفرح كثير .. ثم أخذت تتمتم وتقول بعد نوبة جنون /المهم سأجعل دماغي في سباتٍ ، وأصدق بأنني مخطوفة سأعيش اللحظة برمتها ..سأخرج ذاتي من حصرٍ أمقته ..سأجتاز الحدود دون رقيبٍ يسألني.. دون جواز يرسم لي حريتي...
نهضت للمرآة بعد فراقٍ مديد لوجهها وصعقت عندما رأت وجهها شاحب وعلامات الهرم بدأت تفتك بوجهها الذي كان فاتناً..كل من كان ينظره كان يشتهي قطف نظرة من عينيها ...
ارتدت ملابسها وللسوق مباشرة هكذا فجأة انقشع ضباب الوهم من مخيلتها وتسللت البهجة بقاعها ..
-سأرتدي اليوم جديد ..أود معطفاً أحمر لا أدري لمَ اللون الأحمر..إنما هكذا خطر في بالي ..كنتُ أكرهُ الأحمر وربما هو يكرهني أكثر إنما لا بأس سأتعود حبُّ الكره..
وفي الزقاق الذي تسلكه عادة أثناء عودتها لمنزلها صادفت رجلاً غريباً منحنياً يُصلح سيارته ..
أكملتْ سيرها في حين بادر وناداها.."شهام" ألست أنت ..؟!!
شيئاً من الذعر تخلل ضلوعها وبشي من الخوف هزّتْ برأسها ..
-أجل .من أنت ..؟!!
كيف عرفت اسمي ..؟
-حسب الوصف سيدتي ..
-ماذا تريد ؟
-أرجوك لا تُبدي أيّ ريبة ولكن للخير أتيتك هنا ..
لقد اختُطف ولدك ظهر هذا اليوم ..ودريتُ بالموضوع عن طريق صدفة عندما كنت في عملٍ ما رأيته وأشفقتُ عليه وراح يسرُّ لي من بين زحمة المكان بأن أخبرك أين هو ، وجئتك مسرعاً لأدلّك على العنوان
لكنها لم تحتمل الفكرة وخصوصاً في هذا الوقت العصيب الصعب، الذي يسوده خطف أيّاً كان ،فوقعت من طولها راكعة عند قدميه ..مخنوقة من هول الخبر بين مصدقة ومكذبة بين مذهولة ومصدومة وعندما تأكدت من الخبر وخصوصاً عندما حاولت الاتصال بولدها ولم يرد رغم انتهاء الرنات فشعرت بأن ولدها في خطر
-أرجوك قل أين هو.. من فعل هذا ..في أي مكان هو وعندما حاولت الصراخ ..قال أرجوك أذهب وأتركك تصرخين توازني قليلاً وأنا أصحبك للمكان لكنني لن أقترب سأبقى بعيداً وأنت تدخلين ... حفظاً لسلامتي
-حسناً ليكن إلى جهنم ذاهبة فقط خذني ..
بعد مرور ساعتين من البكاء المنهمر على المعطف الأحمر حتى صار ينزف دماً...
-بؤس اللون أنت ..سأمزقك ..سأجعلك هباءً للريح ..
لكن متى نصل ..لم أعد أحتمل ويحك إن كنت كاذباً
-ها ..قد وصلنا ..أرجوك تماسكي سيتعاطفون معك وخصوصاً بأن الوقت مساءً لا سبيل للرجوع وحدك ..ستهزهم النخوة أكيد ..على كل الأحوال قريب أنا من هنا وبانتظارك إن حصل معك شيء
وبسرعة الريح كانت أمام البيت .. عاصفٌ وجعها حدُّ اقتلاع الورد المخيّم على جنبات المنزل عندما وصلت الباب أخذت تطرق بكلتا يديها ، بكل ما أوتيت من قوة وبلحظة تهالكْ وضعف سقطت أمام باب البيت كل ظنها بأنها لن تتمكن من رؤية ولدها والغريب بأن لا أحد تفقد غيابها ولا أحد طلبها على الجوال فشعرت بالضعف والانكسار والمزيد من البكاء والترجي .. قليلاً من الوقت مضى وهي تنوح حتى كادت بحةُ صوتها تخنقها لكن أحدهم من الداخل أخذ يأتي صوب الباب ليفتحه وعندما وجد المرأة محبطة القوى واضعة وجهها بين يديها تناجي السماء وفي غمرة حزنها وتوحدها في ذهول ما جرى وصلها ذات الصوت ..كان شيئاً من المستحيل ..كان شيئاً تُحني له شوقها ..كان الحلمُ عندما أحاطها وأخذ يُنهضها ويمسح دمعها بلهفة وحنان وهو يقول ..
اليوم 1 / 1 / 2014
ألم أقل سأفعلها
وأخطفك...
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 12-16-2014 في 12:16 PM.
أولا دعيني أرحب بك كما ينبغي يا نجلاء.
أما بعد...فكم لامست قصتك شغاف الخافق .....
لحد البكاء.
رائعة بكل تفاصيلها و صدقها.
أسلوبك أخاذ غاليتي و جميل هو عنصر المفاجأة فيها رغم أنك أوقعت قلبي من الخوف
و تعاطفت معك ....في السراء و الضراء.
لو كانت المسافات رجلا لقتلته و لو كانت الحدود جبالا لنبشتها بيدي إلى أن تنهار.
اعتزازي بقدومك بيننا غاليتي.
أرق التحايا المضمخة بأريج الياسمين.
إحتمت وإختبأت الحكاية في ثوب شعري ولغة شفافة جعلتنا نمضي بسلام وتؤدة
حتى جاءت لحظة مرعبة جعلتنا نعيد الحسابات ونعيد القراءة
هل هي ثنائية الحب والرعب؟
بل الحب العميق الذي لاكذب فيه
فالوعد وعد ولابد من تنفيذه حتى لو كان قاسيا
ولكن لمصلحة الحب هذا؟
في لغة نجلاء نلحظ الثراء في وصف المشاعر بصورة جمالية نادرة بالتقاطات وجمل شعرية رائعة
((.لمَ لا أغادر الحزن وأكتحل بوميض ضوء ..
لمَ لا أنسى أني من صلصال وجع وأرتدي وجه القمر))
إستمتعت بقراءة قصة جميلة إحتفلت بليلة الميلاد بطريقة نجلائية فخمة
مودتي ياقديرة