كمتذوقٍ أحملُ رؤيةً نقديّةً انطباعيةً وادعاءً بالذائقة الشعريةِ
أجدُ أنَ من الضروري أن يأخذَ شعر عبد اللطيف غسري طريقهُ إلى أقلامِ النقادِ بغرضِ طرحهِ على طاولةِ القراءةِ لفهمِ ما ورائيات هذه القصائد التي تشي بإبداعِ جليٍ ولا أقول بأن قصائد الغسري مفعمةٌ بالغموضِ بل على العكس من ذلك فالسبكُ المتينُ، واللغةُ الناضجةُ، وتنوّع المفرداتِ، ساعدتْ ثقافتهُ العاليةُ على ان تكون قصيدتهُ بناءً فكريّاً ذي شرفاتٍ شعريةٍ وصبغةٍ حداثوية فشلَ الغسري في إخفائها خلفَ لغةٍ انتمت شيئاً ما إلى العصورِ الذهبيّة للشعرِ العربيّ الأصيل، كما ان القارئ لشعرهِ يجدهُ يمارسُ مشاكسةَ المفردات الصعبة – خاصة قصيدة(سيف الكلام)- ليبني منها قافيتهُ فتأتي كأن ذلك البناء بدأ من القافية وليس العكس حتى تلاقي الصعوبة في محاولة تغيير القافية بدون التأثير على انسيابية أفكارها..
إن التساؤل الذي يطرحهُ الغسري في قصيدتهِ يكاد يكون غامضَ الغايةِ فصعوبة الإجابة عليه تكمن في ماهيةِ السؤال لأنه يخاطب ذاتهُ كالمتحدي الذي يعرف كنه الإشكالية، فتراهُ يخاطبُ سيف الكلام الذي أتاهُ محملاً بالصدأ دلالةً على طول الصمتِ، بل نرى أن فؤادهُ لم يلقِ لهُ بالاً فتركهُ ملقى بلا معنى، وإذا عدنا لسؤالهِ:
إنِّـــــي أتَــيْـــتُ.. صَــهِــيــلُ الـــمـــاءِ يَـتـبَـعُـنِــي-- فـــهَــــلْ يُـــوَاريــــهِ صَــمْـــتِـــي إذ رَوَى نــــبَــــأَهْ؟
فسؤالهُ هنا وحده من يستطيع الاجابة عنهُ ويجيب فعلاً بالبيت الذي يليه بقوله:
الـهَـمــسُ زَوْبَـعَــتِــي.. لَــيْـــتَ الأنـــــا بِـفَــمِــي-- رَعْـــــدٌ يَــقـــولُ فَـيُـنْـهِــي الـهَــمــسُ مَــــــا بَــــــدَأَهْ
لكنه لا يضيف الكثير إلى هذه الإشكالية سوى العودة إلى ذات السؤال فيحيلهُ جواباً، وهكذا روح القصيدة بل نراهُ كمن يأتيكَ بالإجابةِ قبل السؤال كقولهِ:
وَالأَعْيُنُ الحُمْرُ خَلفَ البابِ تَرْصُدُنِي-- لا يُصْـلِـحُ الـوَقــتُ فِـــي أهْـدابِـهَـا خَـطَــأَهْ
القصيدة تدور رحاها حول ذات القصيدة العاشقة التي ترمقه بعينها النجلاء فتجعله يعيش المبتدأ بفرح
ود لا ينتهي
أخي العزيز الشاعر الفذ عادل الفتلاوي:
لا يسعني بعد أن قرأتُ تعليقك الجميل المتشح بوشاح البلاغة والمتلفع في رداء النقد الجاد إلا أن أسِرَّ لك قائلا إننا أحوجُ ما نكون إلى مثل هذه القراءات التي تتوغل في النصوص وتستكنه مدلولاتها وإيحاءاتِها.
استمتعتُ بما جاء في تعليقك أيما استمتاع، فأنا أومن بالنقد الهادف البناء وأرى رسالته أهمَّ وأجلَّ من رسالة الإبداع نفسِه.
مودتي وتقديري الدائم
ربما ارتقت رائعتك عن النقد من حيث الوزن واللغة، لكن قلما تسمو قصيدة فوق سيف النقد، الذي لا يعتريه الصدأ.. ونحن هنا لا نتناول بالنقد إلا عنصرين اثنين من عناصر القصيدة الكثيرة، هما؛ اللغة والوزن فقط.
لقد أبدعت فيما أردت التعبير عنه.. أيها الشاعر القدير..
لك المودة والتقدير