تفتحت ابتسامة قلقة وسط صحراء وجهه الواجم،حيث التصقت عيناه بشاشة التلفاز حـــال مشاهدته أحد أبطال الأفلام الكوميدية الصامتة , وهو يقذف من فمه سائلا كيماويا عجيبا , كان السائل ينفجر حال ملامسته الأرض،لم يكركر من المشهد , بل عانقت محياه دهشة حالمـــــــة , سرعان ما تحطمت أمام زوجته الداعية لترك هذه التفاهات , والإسراع بالذهاب إلى السوق , لشراء ما يحتاجه قدرهم الفقير،واختتمت خطبتها اليومية بعبارة:
ــ لا شيء يرجى منك أيها العاجز.
شعر إن تدفق هذه الكلمات المهينة قد رافقه تدفق غريب للعاب في فمه , والذي شل لســــان الزوجة حال انقذافه من فمه , وتفجره تحت قدميها،ذهل في بادئ الأمر , ولكن سرعان ما راقته فكرة فرض رجولته المذبوحة على المنزل،صار يبصق هنا وهناك , والزوجة تولول و تدعوه أن يكف عن قذف هذه القذارات , التي زرعها التدخين في رئتيه،لم يعبأ لكلماتها , فقد كان منتش بالقذائف والانفجارات , التي جعلت الزوجة تقفز بفزع على الأريكة قائلة وهــــي تجهش ببكاء مرير:
ــ (أبويه ما يكدر غير على أمي)*
قالت ذلك وتركته فريسة للخزي واللارجولة،وذلك ما جعله يترك المنزل , ويتوجه إلى السوق , وكل خلية في جسده صارت تمده باللعاب،كانت كمية كافية جدا , حيث جعلته ينسف عربة الخضار , حال سؤاله عن سعر الكيلو الواحد،شعر برجولة ما قد تنفست في عضلاته، لذلك هم بنسف محلات التجار الصغيرة والكبيرة , دون أن يكترث لصراخ الباعة وشتائمهم:
ــ ماذا تفعل أيها المجنون القذر...؟
غلف السوق صخب غاضب , حين هم بترك المكان , وهو مكلل بهالات نصر تخاذل حين رددت دواخله تلك المقولة الأثيرة:
ــ (أبويه ما يكدر غير على أمي)
هكذا تلاشت نشوته , فصار يشعر بالحزن لما حل بزوجته , وهؤلاء الباعة والتجار المساكين , الذين لا ذنب لهم سوى كونهم ضعفاء وهو قوي،ظل كذلك مع آلام عنيدة فرضتها عليه ذرة من فروسية , كانت تعاني السبات في دواخله،فسرعان ما نمت وصارت نداءا ملحا , عنـــــــد سماعه بمقدم موكب من المسؤولين الأشداء،كانت مجاميع من الحكم القديمة تدفعه إلى المكان , وتدعوه بإلحاح لمواجهة القوي , ونصرة الضعفاء،سار خلف مواكب الفرسان القدماء: (دون كيخوت)،(روبن هود)،(زورو) , وآخرين كانوا جميعا يدعوه للانتقام من المتسلطين، اندس بين الزحام والهتاف , وهو يجاهد لتأمين ما يكفيه من اللعاب , لنسف ذلك الموكب الكبير، الذخيــــرة صارت تكفي لإبادة الجميع،الموكب يقترب،حاول أن يطلق قذيفته المدمرة , ولكـــــــــن دون جدوى،أصيب فمه بخذلان غريب،وقتها كانت تترقرق مع الدموع صورا عديدة،طائـــرات تسبح في فضاء الوطن دون خوف،أشلاء لعشرات الجنود،جسور وبنايات أصابها الخذلان، أسلحة معطوبة ومهانة،كل هذه الصور حررت لسانه فصرخ معلنا حقيقته , وحقيقة الجميع بما فيهم أصحاب ذلك الموكب:
ــ (أبويه ما يكدر غير على أمي)
صرخ مرددا تلك العبارة مع تدفق قوي لسيل من اللعاب،انساح بهدوء على صدره،أحس بأن هناك شيئا ما ينبت بهدوء على قمة رأسه،شيع الموكب الراحل بأمان أكيد،ثم حــــــدق للجموع،زبد متخاذل كثيف كان يحتضن جميع الشفاه،دولارات خائبة تحترق في العيـــون، وأكبر من هذا وذاك , هي غابات النخيل التي تتوجت بها رؤوس الجميع.
"أبوية ميكدر غير على أمي "
استخدم الكاتب هذه المقولة في محاولة لإبراز الدلالات التي تقف خلف هذا المثل الذي أطلقته الزوجة في لحظة خوف .
وقد مهد للكشف عن بعض الحقائق التي تفرض حتميتها من خلال شخصية الزوج التي ترمز إلى الخنوع والاستسلام.
فمن خلال التفاصيل المذهلة نجد أن هذا الكائن الضعيف الذي وصفته زوجته بالعاجز عندما استأسد فجأة فقد التوازن وأصاب أول ما أصاب زوجته وأبناء مدينته من الضعفاء والأبرياء ، وعندما استدرك الأمر عجز عن النيل من الجبابرة الذين تسببوا في تهشيم وتهميش شخصيته فتبنى مقولة زوجته أبوية ميكدر غير على أمي .
الأستاذ القدير مشتاق عبد الهادي
بأسلوب فريد تميز بدمج الواقع بالمتخيل قدمت لنا نصا
يحكي مأساة قد يطول شرحها إذا ما حاولنا الوقوف على تفاصيلها
ألف شكر لهذا الإبداع السامق
ألف ألف تحية لشخصكم الكريم
أثبته بحب
مع تقديري الكبير
هي مقولة يرددها البعض غالباً ليس من موقع الظلم فقط ، ولكن حين يكون الحكم جائراً من لحظة ضعف في
الأنسان الآخر باتجاه من لا حول لهم ولا لقمة أو قوه . وهنا تظهر إزدواجية ومرض النفس البشريه التي أهلكتها
الحيلة وبعض مما تبقى من عزة النفس فتظهر حين يؤمن أن لا ضرر عليه من لحظة الأنفجار بوجه المستسلم
إما بحكم التبعية المادية أو المشاعر الأنسانية أو أمتلاك لا مفر منه .
قد لا نؤمن أحياناً أن سنوات العمر لم يكن لديها اي إنعكاس علينا . وتجربتنا لم يكن لها من النضج ما يكفي في الحياة
لنتعلم كيف ومتى نباغت الآخر فيما به وليس به فنبدأ بمراجعة أنفسنا بالتنقيب بما يرضي طموحنا شخصياً .
وهكذا نبحث عن مُعين لنا في شواهد من التاريخ ، وهكذا تتكرر الحكاية .
عزيزي مشتاق : في كل نصوصك نكتشف أنك تتناول قضية تبدو كبؤرة موجة ما إن نسترسل معها حتى نجد إن القضية
اتسعت وأخذت أبعاداً أُخرى فيها من الصور ما لا يبعث على الملل وبعيدة كل البعد عن إسلوب الحكاية التقليديه
وهنا تجبرنا للبقاء حتى آخر حرف من دون أن نشعر بالأخفاق في المتعة والفهم .
رائع يا إبن عبد الهادي مشتاق ومبهر في عفوية الأبداع الكامن في نصوصك / محبتي / وقار
تفتحت ابتسامة قلقة وسط صحراء وجهه الواجم،حيث التصقت عيناه بشاشة التلفاز حـــال مشاهدته أحد أبطال الأفلام الكوميدية الصامتة , وهو يقذف من فمه سائلا كيماويا عجيبا , كان السائل ينفجر حال ملامسته الأرض،لم يكركر من المشهد , بل عانقت محياه دهشة حالمـــــــة , سرعان ما تحطمت أمام زوجته الداعية لترك هذه التفاهات , والإسراع بالذهاب إلى السوق , لشراء ما يحتاجه قدرهم الفقير،واختتمت خطبتها اليومية بعبارة:
ــ لا شيء يرجى منك أيها العاجز.
شعر إن تدفق هذه الكلمات المهينة قد رافقه تدفق غريب للعاب في فمه , والذي شل لســــان الزوجة حال انقذافه من فمه , وتفجره تحت قدميها،ذهل في بادئ الأمر , ولكن سرعان ما راقته فكرة فرض رجولته المذبوحة على المنزل،صار يبصق هنا وهناك , والزوجة تولول و تدعوه أن يكف عن قذف هذه القذارات , التي زرعها التدخين في رئتيه،لم يعبأ لكلماتها , فقد كان منتش بالقذائف والانفجارات , التي جعلت الزوجة تقفز بفزع على الأريكة قائلة وهــــي تجهش ببكاء مرير:
ــ (أبويه ما يكدر غير على أمي)*
قالت ذلك وتركته فريسة للخزي واللارجولة،وذلك ما جعله يترك المنزل , ويتوجه إلى السوق , وكل خلية في جسده صارت تمده باللعاب،كانت كمية كافية جدا , حيث جعلته ينسف عربة الخضار , حال سؤاله عن سعر الكيلو الواحد،شعر برجولة ما قد تنفست في عضلاته، لذلك هم بنسف محلات التجار الصغيرة والكبيرة , دون أن يكترث لصراخ الباعة وشتائمهم:
ــ ماذا تفعل أيها المجنون القذر...؟
غلف السوق صخب غاضب , حين هم بترك المكان , وهو مكلل بهالات نصر تخاذل حين رددت دواخله تلك المقولة الأثيرة:
ــ (أبويه ما يكدر غير على أمي)
هكذا تلاشت نشوته , فصار يشعر بالحزن لما حل بزوجته , وهؤلاء الباعة والتجار المساكين , الذين لا ذنب لهم سوى كونهم ضعفاء وهو قوي،ظل كذلك مع آلام عنيدة فرضتها عليه ذرة من فروسية , كانت تعاني السبات في دواخله،فسرعان ما نمت وصارت نداءا ملحا , عنـــــــد سماعه بمقدم موكب من المسؤولين الأشداء،كانت مجاميع من الحكم القديمة تدفعه إلى المكان , وتدعوه بإلحاح لمواجهة القوي , ونصرة الضعفاء،سار خلف مواكب الفرسان القدماء: (دون كيخوت)،(روبن هود)،(زورو) , وآخرين كانوا جميعا يدعوه للانتقام من المتسلطين، اندس بين الزحام والهتاف , وهو يجاهد لتأمين ما يكفيه من اللعاب , لنسف ذلك الموكب الكبير، الذخيــــرة صارت تكفي لإبادة الجميع،الموكب يقترب،حاول أن يطلق قذيفته المدمرة , ولكـــــــــن دون جدوى،أصيب فمه بخذلان غريب،وقتها كانت تترقرق مع الدموع صورا عديدة،طائـــرات تسبح في فضاء الوطن دون خوف،أشلاء لعشرات الجنود،جسور وبنايات أصابها الخذلان، أسلحة معطوبة ومهانة،كل هذه الصور حررت لسانه فصرخ معلنا حقيقته , وحقيقة الجميع بما فيهم أصحاب ذلك الموكب:
ــ (أبويه ما يكدر غير على أمي)
صرخ مرددا تلك العبارة مع تدفق قوي لسيل من اللعاب،انساح بهدوء على صدره،أحس بأن هناك شيئا ما ينبت بهدوء على قمة رأسه،شيع الموكب الراحل بأمان أكيد،ثم حــــــدق للجموع،زبد متخاذل كثيف كان يحتضن جميع الشفاه،دولارات خائبة تحترق في العيـــون، وأكبر من هذا وذاك , هي غابات النخيل التي تتوجت بها رؤوس الجميع.
*** * (مقولة عراقية يرددها المظلوم دوما )
نشتاق لحرف كهذا، ونسأل الله أن يهدينا صواب السبيل
فاللغة الرمزية الفاضحة للمعنى الباطن للمعلـنين.. تصادر قانونياً كل أدوات الإجهاض.
هنا.. في هذه الساحة المكتظة باللعاب، أزاء حشود السـَوَقة، اللائذين بالورائيين
أعلنها ابن عبدالهادي علناً.. وانبرى بصدق تناساه الجميع
بعد أن خـُذلت الغالبية المتطرفة المثورة للتفكيك.. وقال:
" النخلة أرض عربية"
" من سرَّب هذي النخلة من بلدي"
فيا من واريت الطلع بترابك المبارك، كي لاتتناوله العناكب.. أقول؛ لله درك ياحبيب.
يبدو أننا أصبحنا جميعا نردد هذه المقولة وحتى حين يبلغ غضبنا مداه فإننا نسقط كل شيء على أقرب المقربين إلينا
يبدو أننا فعلا لا نستأسد الا على الضعفاء منا ..
ولكن ليس لاننا غير قادرين على سحق الجبابرة فنحن من نصنعهم إنما بتنا كلٌ يبكي على ليلاه وليلى لا تبكي على أحد فسقطنا في حالة خنوع غريب واستسلام ليس له ما يبرره في الحقيقة
شكرا جزيلا أيها المبدع
مودتي وتقديري
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..