العيش في الماضي
إحدى مسببات التفكير السلبي للدكتور والمحاضر العالمي
إبراهيم الفقّي
عندما سألت أحد المعلمين الذين تدربت على أيديهم : (( ماهي الأشياء التي أثرت عليك في حياتك ؟ )) فكان رده عجيباً جداً و قال : (( أنا هنا الآن في هذا الوقت بهذه الصورة أما الماضي فقد انتهى بكل مافيه و أنا لا أستخدم قصص الماضي لكي يتقبلني المجتمع ! ))
فقلت له : (( ولكن أليس الماضي جزءاً من حياتنا ؟ )) ,
فقال : (( نعم ولكنه كان , أما الآن فليس له وجود فلو عشت فيه فستجد أنك ستعاني منه )) .
ثم أقترب مني وقال : (( دعني أسألك : هل السيارة تسير بوقود الشهر الماضي ؟ ))
فقلت : (( لا , بل بالوقود الذي وضعته اليوم ))
ثم سأل : (( والطائرة هل تطير بوقود الشهر الماضي ؟ ))
فقلت : (( طبعا لا لأنه نفذ وانتهى ))
فقال : (( تماما مثل ماضي الإنسان هو فقط تجارب و خبرات و علم و مهارات لا أكثر و لا أقل و لكن معظم الناس يعيشون في الماضي فلو كانت تجاربه سلبيه فهو يشعر بالحزن في وقته الحالي مع أن ما حدث له كان في وقت ماضٍ , ولو كانت تجارب الماضي إيجابية و يقارن الشخص بين هذه التجارب و كيف أنه كان سعيدا و يقارن بين ذلك الوقت و بينه في الوقت الحاضر فيسبب لنفسه الشعور بالإحباط بسبب هذه المقارنة )) .
ثم نظر في عيني وقال : (( يا إبراهيم لا يستطيع الإنسان أن يعيش بجسده في أي وقت مضى و لكنه يستطيع أن يعيش فيه بأفكاره و ذهنه و بذلك فهو يشعر بنفس الأحاسيس التي شعر بها عندما كان في الماضي فلو كانت سلبيه تتراكم و تصبح قوة تعمل ضده , فلو أردت أن تكون فعلا سعيدا كن في الوقت الحاضر )) .
كان كلام معلمي فلسفياً لم أفقهه تماما في ذلك الوقت و لكني لم أنسه بل كتبته في مذكراتي الخاصة و تركته في مكانه لمدة ثلاث سنوات و في يوم كنت أراجع الحكم التي تعلمتها في حياتي و قرأت ما قاله لي معلمي و اندهشت لقوة هذه المعلومات و أصبحت حريصاً جداً في معاملاتي مع الماضي و تذكرت الحكمة التي تقول : (( يظهر المعلم عندما يكون التلميذ مستعدا )) .
والآن دعني أسألك : هل تفكر في الماضي من وقت لآخر و تشعر بأحاسيس سلبيه ؟
الحقيقة أننا جميعا نفعل ذلك و أن معظم مشاكل الناس تأتي من شيئين ( الماضي و المستقبل ) و عندما نفكر نجد أنهما ليس لهما وجود , فالماضي انتهى بكل مافيه من خير و من شر فلو تعلمت منه لأصبحت ماهرا في التعامل مع الحياة و إن لم تتعلم منه ستجد نفسك سجيناً في الأحاسيس السلبيه التي ليس لها وجود إلا في الذاكرة .
ولو قررت أن الأحاسيس في المستقبل ستجد نفسك في سجن القلق .
و الآن دعني أسألك : هل من الممكن أن تستقل سيارة مع سائق تاكسي يقود سيارته و هو ينظر فقط للخلف ؟ طبعا لا , لماذا ؟ لأنه سوف يصطدم بأي شيء يقابله أمامه !!
تماما مثل الشخص الذي يعيش في الماضي فهو يصطدم بالأحاسيس السلبيه وتضيع منه أيام حياته في سراب العقل .
وكم من الخطابات التي أستقبلها يوميا و التي أجدها مملوءة بالتفكير السلبي بسبب العيش في الماضي و قد كتبت لي فتاة في العشرينات من عمرها قائلة : إنها عندما كان عمرها خمس سنوات حلمت بحلم مزعج جداً جعلها تصرخ من شدة الخوف ولم يحضر أحد في الحال ليرى ما حدث لأن الجميع كانوا نياما وبعد حوالي نصف ساعة من الصراخ أتت أمها لتجدها مغمى عليها من شدة الصدمة فأخذتها إلى المستشفى و هناك أجريت لها الإسعافات اللازمة و منذ ذلك الحين و هي تخاف من النوم لكي لا يحدث لها ما حدث من قبل .
وهذا مثال بسيط للحياة في الماضي وكيف أنها تجعل الإنسان يفكر بطريقة سلبيه تجعله سجينا في الأحاسيس السلبيه .
نقلته لكم من كُتيّب ( التفكير السلبي و التفكير الإيجابي )
دراسة تحليلية للمفكر د . إبراهيم الفقي
زينة