الوقت عصرا .. وأنا جالس إلى مكتبي أتصفح بعض المجلات الرياضية وأدون بعض المواعيد الخاصة بكرة القدم . وأنظر بين الفينة والأخرى إلى أوراق التحرير المكدسة وهي تنتظر التصحيح . لا زالت أمامي ساعة قبل مداولات الأقسام . يطرق الباب طرقا خفيفا ، ويدخل أحد التلاميذ وهو كالطيف من الهزال . ألقى التحية ووقف ينتظر أن آذن له بالكلام . رفعت حاجبي متسائلا . فتردد لحظات قبل أن يسأل :
- أستاذ .. أريد أن آخذ رأيك في أمر يخصني .
تملكني إحساس بالارتياح .. لقد آتت كلمتي التي ألقيتها في بداية السنة أكلها . حثثت تلامذتي على عدم التردد في البوح بكل ما يؤرقهم . وإذا كانت هذه البداية ، فمعنى هذا أني كسبت ثقتهم . ـشرت له بالجلوس على إحدى القماطر، وأشرت إليه أن كلي آذان صاغية . علت وجهه ابتسامة وغض بصره ثم قال :
- ماذا لو أخبرتك أني أهيم بإحداهن .. حدث هذا منذ بداية الموسم الدراسي ..
ثم انطلق يحكي بحماس .. وأنا منصت باهتمام .. لكني سرعان ما سهوت عنه لأسبح في ذكرياتي .. لقد أيقظها هذا الشقي بتقاسيم وجهه النحيل وتهدج صوته المراهق .. ثم وجدتني أتصفح قصتي الأخيرة التي تتناول هذا الموضوع . وأفقت أخيرا على سؤاله :
- لا أدري إن كانت تصرفاتي هذه خطأ .. لذلك قصدتك..
ربما كان يخشى أن يفقد المكانة التي اكتسبها لدي بنشاطه و طموحه و تطلعاته .. فقد كنت أمدحه وأثني عليه كلما سنحت الظروف بذلك. بماذا أجيبه ؟.. وهل هذا موضوع هين يرد عليه في لحظات ؟ .. ربت على كتفه مبتسما وقلت :
- أبدا .. تصرفك ليس صبيانيا ، إنما – وهنا دق الجرس – هذا موضوع يستحق جلسة هادئة .. ما رأيك في صباح الغد أثناء فترة الاستراحة ؟
بدا على وجهه الارتياح .. ونظر إلي بامتنان .. هل كان ينتظر أن أقدم له موعظة و أنبهه إلى التفكير في دراسته فقط والإعراض عن هذه الأفعال الصبيانية ؟ .. شيعته إلى الباب وانصرفت إلى الاجتماع .. ولا زلت لحد الآن أتذكر ضاحكا كيف مرت المداولات وأنا غارق في أفكاري أتمثل في مخيلتي وجه التلميذ النحيف وتهدج صوته وما ينتظره مني .. حتى أيقظني زميلي من غفوتي .
وفي الغد .. جاء في الموعد . جلس في مكانه المعتاد أثناء الدراسة وقال :
- أرجو ألا أكون أثقلت عليك .. أستاذي .
- لو كنت أخشى ذلك لما جاءت المبادرة مني في بداية السنة .. اسمع .. ما قلته لي يجب ألا يسبب لك حرجا ، فكل واحد معرض لمثل هذه الأشياء .. و يجب التعامل معها بذكاء وتعقل ..
- يعني ان أحاول عدم ..
- أنا أقول لك .. و لكن دعني أسألك .. ما الذي يعجبك في الفتاة ؟
- خلقها .. جمالها ..
ثم توقف مفكرا :
- و ثقافتها ؟ .. أليس كذلك ؟
- بالضبط أستاذي .. بالضبط .
- إذن فاعلم أنك لن تكون كبيرا في نظرها إلا بالشروط التي تراك هي بها كفؤا ..
نظر إلي متسائلا فاستطردت قائلا :
- لن تكون مميزا إلا إذا جلبت الانتباه ، وذلك بتميزك عن الآخرين .
فكر قليل .. كنت أعلم بذكائه .. لكنه كان يبدو مشوش الأفكار..
- التفوق .. ولاشيء غيره .. حينئذ لن تسعى إليها منكسرا .. قل لي هل تمارس رياضة ؟
- في بعض الأحيان ..
- أنا ألحظ توافد أبناء حيك على نادي الكمال الجسماني .. فلماذا لا تلتحق به ؟
في هذه المرة فطن جيدا إلى ما أرمي إليه .. التفوق الدراسي مع جسم رياضي .. لكني حرصت ألا يندفع كثيرا في تفاؤله فقلت :
- وفي المدة التي يستغرقها تنفيذ هذين الشرطين ، عليك بالتصرف بحذر حتى لا يبدو أنك تفعل هذا من أجلها . ويجب ألا يصدر منك ما يوحي لها أنك متيم بها . خذ الوقت الكافي لذلك .. فأنت في مقتبل العمر ولديك من المؤهلات ما يبلغك إلى هدفك .
كنت أستشف من عينيه حماسا طغى على إحساسه بالحرمان مما كان يعده من قصائد وخواطر يعلم الله كم حرمته من النوم ساعات وساعات .. نهض وشد على يدي بحرارة .. و انحنى كمن يهم بتقبيلها .. فوضعت ذراعي على كتفه وقلت وأنا أودعه :
- لا تنس أن تخبرني عما استجد من أمور ..
منذ أيام .. وبعد عشر سنين زارني في فصلي و أنا منهمك في تسجيل الغياب . رحبت به . عانقني وسلمني دعوة لحضور حفل تأسيس جمعية ثقافية يرأسها هو .. كان متأبطا ملفا يحوي وثائق ومستندات .. وانتبهت إلى قامته الفارعة ومنكبيه العريضين فلم أملك أن ابتسمت وذاكرتي تعود إلى ذلك اليوم المشهود .. يوم اعترف لي بمكنونات قلبه .
لقد أدى دوره التربوي والتعليمي على أكمل وجه
ليتهم الآن يفعلون
الأستاذ رشيد الميموني
نص ممتع .. هادف ويستحق التقدير
تحياتي وتقديري الكبير
كل الشكر والامتنان لك أخت سولاف على هذا التجاوب الرائع منك مع حرفي ..
أرجو أن تكوني دوما بالجوار لأسعد ببصمتك البهية على متصفحي ..
مودتي التي لا تبور .
عاشق الطبيعة يخفي وراءه مرب بارع و أستاذ يعرف كيف يعالج أمور قسمه بذكاء وروية
الاعتراف لا يتمّ من قبل التلاميذ إلاّ إذا وجدوا الارضية المهيأة لبسط أفكارهم من احترام وثقة
قصو هادفة ومميزة من واقع مدارسنا
ولو استطعنا أن نربي تلاميذنا على البوح لاستطعنا تجاوز العديد من مشاكل المراهقين
وذلك لا يتم أبدا بالردع والتخويف
عد إلى النبع فنحن بانتظارك
عاشق الطبيعة يخفي وراءه مرب بارع و أستاذ يعرف كيف يعالج أمور قسمه بذكاء وروية
الاعتراف لا يتمّ من قبل التلاميذ إلاّ إذا وجدوا الارضية المهيأة لبسط أفكارهم من احترام وثقة
قصو هادفة ومميزة من واقع مدارسنا
ولو استطعنا أن نربي تلاميذنا على البوح لاستطعنا تجاوز العديد من مشاكل المراهقين
وذلك لا يتم أبدا بالردع والتخويف
عد إلى النبع فنحن بانتظارك
العزيزة ليلى ..
يبهجني هذا التجاوب منك مع قصص وكل كتاباتي ، مما يحفزني للمزيد من العطاء .. ويحملني مسؤولية تقصي الأجود حتى أكون في مستوى ذائقتك الأدبية الراقية .
شكرا من أعماق القلب ولك مودة لا تبور وورود لا تذبل .