(إفلاس)
تحسس جيبه المصاب بفايروس الإفلاس, فتصاعدت في دواخله الشتائم, وانساحت من عينيه دموع حبلى بالصور المستقبلية : امرأة مغتصبة عارية ... هي زوجته، طفل قذر يشحذ فـــــــي الأسواق ... هو ابنه، عجوزان منبوذان في إحدى أركان البلاد ... هما والداه، أفواه تبصق بوجهه الشتائم والاتهامات ... هم أصدقاؤه المقربون، فتاة يدلق على صدرها الخمر ... هي ابنته، منـزل تراقبه عشرات الضباع ... هو بيته، رجل معلق على المشنقة بإصرار ... هذا هو ... فيما لــــــــو أطلق شتائمه الحبيسة. *
كنت سأحزن لو لم تكتب عبارة*انساحت من عينيه دموع حبلى بالصور المستقبلية *وهذا يعني لم يحدث شيئ مما رأته عينه وهواجس المستقبل رسمت له واقعه المريرلو ظلّ مفلسا
ربما ما رآه سيكون الحافز لإخراجه من عالم الاقلاس حتى يستطيع تغييير ما قد يحدث له ولعائلته
كل التقدير
روح القصة تكمن في الصراع الداخلي الدائر بين الصمت والصراخ المكبوت الذي يأتي على شكل شتائم مكتومة تتصاعد في دواخل البطل المقهور .. المكمم والمقيد بالخوف .. الخوف من القادم الذي يؤرق مخيلته ويصيبها بالذعر كلما فكر أن ينطق بحرف .. فاتخذ من الصمت المقيت حصنا يحمي كل الذين تتعلق مصائرهم بطرف لسانه ..
الصمت خيار يعمل عمل المطب الصناعي .. الذي يراد به تفادي المخاطر والمفاجآت التي ستلم بأفراد عائلته بالكامل و التي وضع الكاتب سيناريوهات مصائرهم على أيدي سُراق الوطن الذين لم يبقوا على شيء .. من خلال تحريك كاميراته لتلتقط عدساته لقطات فنية .. كل لقطة منها تجسد مصير أحدهم بحرفية ومهارة وإحكام .وهذه تقنية لا يأتي بها سوى الراسخون في الإبداع .. إبداع لا يضاهى ولا يقف عند حد .
أتراني أبالغ .. لا والله ..
ففي كل مرة أسأل نفسي ماذا سيكتب "مشتاق عبد الهادي مع حفظ الألقاب" بعد هذا النص ..
و مع كل نص جديد أقف بذات الذهول .. وأقرأ بذات الشغف لذات الكاتب الذي عوّدنا على كل ماهو متقن وأصيل .
القاص المبدع مشتاق عبد الهادي
هذا النص المشغول بمهارة حرفي يتقن الصنعة باستخدام كل الأدوات يستحق أن يُقرأ .. و أن يقرأ جيدا
ولذلك وجب التثبيت
احترامي و تقديري الكبير
(إفلاس)
تحسس جيبه المصاب بفايروس الإفلاس, فتصاعدت في دواخله الشتائم, وانساحت من عينيه دموع حبلى بالصور المستقبلية : امرأة مغتصبة عارية ... هي زوجته، طفل قذر يشحذ فـــــــي الأسواق ... هو ابنه، عجوزان منبوذان في إحدى أركان البلاد ... هما والداه، أفواه تبصق بوجهه الشتائم والاتهامات ... هم أصدقاؤه المقربون، فتاة يدلق على صدرها الخمر ... هي ابنته، منـزل تراقبه عشرات الضباع ... هو بيته، رجل معلق على المشنقة بإصرار ... هذا هو ... فيما لــــــــو أطلق شتائمه الحبيسة. *
إنه إفلاس متعدد على المستوى النفسي والاجتماعي ، وأشدهم على نفسية البطل هو فراغ الجيب الذي يدل على الفقر المدقع والبطالة ... عوامل خلقت صورا مشتتة على رقعة حياة مثقوبة، بل لوحات تتعدد فيها ألوان المعاناة، قوامها الاغتصاب والتسول ، والدعارة والمجون..وضعية قد تشمئز منها النفس وتضطرب لها الجوارح ، فكأني بالسارد يطرح سؤلا ضمنيا : لمن نحمل المسؤولية؟ تاركا فرصة للقارئ أن يتعامل مع هذه الوضعية المزرية بالفكر والعقل والدين والأخلاق ...وضعية قد تكون تتشابه فيها مجتمعات معينة ما زال أفرادها يحنون إلى الانتشاء برائحة الفحش والتسيب والفوضى وخلق الفتن والحروب من أجل زعزعة أمن البلاد تحت غطاء الحضارة العصرية التي بنيت على المصالح الاقتصادية وإنهاك الأوطان..
إنه التفسخ بجميع أشكاله وكأن مصائب الدنيا تكالبت على هذا البطل البائس .. فهو لم يصنع هذه الحياة بيده بل صنعها له آخرون ، فأبسط ما يقدمون له هو الشتم والسب مما دفعه إلى الانعزال والهروب ، قد تكون الضباع أرحم لما تمزقه وتجعله أشلاء متناثرة .. بطل فقد كل شيء ، فماذا تبقى له؟ سوى إنهاء حياته بنفسه.
على مستوى البناء الفني للقصة ، قد نتخيل أن السارد قال كل شيء ، والواقع نجده قدم لنا صورا صامتة معبرة وناطقة من تحت الألوان، نقرأها بحسنا وشعورنا لكي نحدد موقفنا منها، لنميز بين المتخاذل والمتواطئ والانتهازي والوصولي والمواطن الحقيقي .. فقد بني سرده على متواليات سردية تنبض بإيقاعات جاءت على شكل التماعات توقظ العقل وتدغدغ النفس والذات منها : هي زوجته، / هو ابنه /هم والداه/هم أصدقاؤه/هي ابنته/ هو بيته/..هذا هو / فبعد سرد الحالة يأتي الضمير ليجعل الحدث قائما داخل صورة حقيقية شاهدا على الجرم والتشظي والتشرذم والتبعثر الأسري . وهي فنية أدبية أعطت للنص قوته ومنحته محفزات قوية للتأثير والتأثر في القارئ .
نص يعبر عن مقطع من حياة أسرة طالها الظلم والطغيان ،مقطع قد يبدو ضيقا ومحصورا في مكان معين وزمان معين ، لكن هذا المقطع من الممكن أن يكون دعامة لرواية تاريخية أوسع وأشمل، تتشابه أحداثها في كل المناطق التي يشملها التناحر الطائفي العبثي من أجل الاستغناء والتفرد بالسلطة ومآرب أخرى .
استعمل السارد الجملة التالية / الصور المستقبلية/ ولم يقل /الصور الماضية أو الحاضرة / فكأن البطل يرى أنه عاين الوقائع في الحاضر وهو متأكد أنها لا نهاية لها وسوف تستمر في المستقبل بأشكال مختلفة.لأنها تتكرر كل يوم وكل سنة ..
إفلاس /عنوان منتزع من رحم النص ،لم يقتصر على مفهوم ضياع المال ،بل يشمل ضياع عدة مقومات تنبني عليها الحياة ، فقد أفلس الإنسان وأبلس حين نكل بأخيه الإنسان على المستوى النفسي والجسمي والاجتماعي .... فرغم أن هذه الجملة التالية/ المصاب بفايروس الإفلاس,/تكررت كلمة " إفلاس/ في النص ،فإننا يمكن اعتبارها كاشفة لجانب من دلالة العنوان..ومع ذلك يبقى العنوان مختارا بعناية ،معلقا في سقف النص كنور دوار يضيء مساحات معينة من جسد النص.
نص كبير وعميق ،لا يعرض المشاهد وكفي ، فالسارد يلتقط الأهم من الأحداث فقط ليجعلنا في خضم وقبح ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، وسلوكه المشين الذي يستفز القارئ، لذلك ارتكز السارد على ما يثير شعورنا لهول المصيبة وفداحة ما تولد من اختلال على المستوى الأخلاقي والديني .
هكذا قرأت هذا النص الجميل والمؤلم آخي المبدع المتألق مشتاق عبد الهادي ..
دمت مبدعا .. مودتي وتقديري .
المبدعة والراقية والنبيلة
سولاف هلال
في بعض الاوقات تجرني انثيالات الجنون وافكر ان انشر عنوان قصة فقط
انشره وانا متاكد من انك ستسردين النص الخفي من خلال العنوان
شكرا لك فانت عين القصة الخاصة بي حينما لا تبصر
تقبلي ازكى باقات الشكر والعطور