تجمعنا طاولة الإفطار كل ليلة آخر جمعة في رمضان، ونتحلق حولها كل في مكانه المعهود لا يتغير رغم مضي السنين في بيت العائلة. ورغم مضي العمر الذي أخذ منا الكثير وأعطانا التجاعيد والشعر الأبيض وأمراض السكر والروماتيزم والضغط،. الا أن روح الشباب ما زالت تغلفنا ونعلق عليها الآمال في التحمل والبقاء. الأخت الكبيرة فاطمة تميل دائما الى الصمت، رغم زعامتها وضبطها لشؤون المنزل منذ وفاة الوالدين. لم تتزوج رغم قائمة طويلة من الخطاب الا أن أيا منهم لم يعجبها واستساغت عيشة العزوبية، وقضت معظم أيامها على سطح المنزل تراقب المارة وتخيط الملابس وتسمع كلام الناس. الصغيرة مديحة دائمة التقطيب والتكشير بعد طلاقها، مع ما كانت تتميز به من الفكاهة وحب النكت. تعيش في بيتها بعد أن غادرها زوجها وتزوج من أخرى. لا تحب المديح أو عبارات الثناء بل في طبعها خشونة وتصل إلى ما تريد دون مواربة. وربما كان هذا ما شجع طليقها على التخلص منها بسرعة. الأخ الأكبر يأتي متأخرا في كل مرة وتعزف نفسه عن الطعام رغم شراهته في الأكل التي تعودنا عليها من صغرنا. الأخ الأصغر أصبح له ذوق سيء في لباسه رغم شياكته المعروفة وحسن هندامه. بعد الإفطار نجلس حول جهاز التلفاز نتابع حلقات مسلسل وادي الذئاب الذي نشاهده منذ سنوات طوال. مديحة أكثرنا تعلقا به وأصغرنا يشاهده على مضض .
في رمضان الحالي بدا على وجوهنا الكبر، ورغم الابتسامات وعبارات المجاملة إلا أننا لم نستطع أن نخفي عدم رضانا عن هذا الاجتماع السنوي رغم ما يتخلل السنة من فرص نرى بعضنا البعض ونلتقي ولو لدقائق معدودة. لقد تربينا على الوحدة وعلى المصلحة الذاتية الشخصية بعيدا عن المصلحة العامة للأسرة.
عمل أبونا تاجرا وقضى معظم وقته خارج المنزل، والأم مغرمة بجلسات النساء في بيوت الجيران. لم نكن نراها كثيرا وكبرنا كل وحده.
أمّا أنا .. الوسطى.. كنت الأجمل والأكثر دلالا عند أمي، الا أن أبي كانت له وجهة نظر أخرى عني ففي اليوم الذي ولدت فيه، خسر تجارته وكسرت رجله في نفس الليلة عندما وقع عليها لوح زجاجي وأصابها بالشلل.
- هذه البنت نحس. لعنة الله على اليوم الذي جاءت فيه.
لم تولي أمي جهدا في إقناعه بعدم وجود النحس، وان قضاء الله هو الغالب على أمره ونصيبه محتوم لا دخل لبشري فيه دون جدوى.
كان أبي عصبيا وعنيدا جدا لا يحترم رأي النساء ولا يوليهن اهتماما بقدر ما كان يبحث عن المال الذي يستخدمه في الاستمتاع بشهواته المتعددة.
يزداد خلافه مع أمي كلما كبرت. كان يضربني كلما يراني العب في البيت ويحاول إحراجي دائما أمام الغرباء. لم يتأثر لدموع أمي او توسلاتها، بل حرمني من التعليم بعدما أنهيت الصف الخامس ابتدائي.
- سأزوجها لأي كلب يتقدم لخطبتها عندما تبلغ السن المناسب للزواج.
عانيت من الوحدة وهجرني إخوتي واستثنوني من كل شيء، وكانوا دائما يتندرون على لساني الذي أصبح ثقيلا تخرج منه الكلمات تجر بعضها بعضا في مزيج من التأتأة وعدم التركيز.
كانت لعبتي المفضلة عيدان الثقاب التي كنت اجمعها واصنع منها أشكالا عديدة. كانت هذه اللعبة الوحيدة التي يسمح لي بها أبي لعل وعسى أن احرق نفسي ويتخلص مني.
وفي ذلك اليوم الذي جاءني فيه عريس هرم يكبرني بثلاثين سنة على الأقل ومطلق وافق أبي دون مشورة من احد. وفي يوم الزفاف اسرّ له أبي بسر النجاح في زيجته الجديدة- عروس غبية منحوسة لا تفهم الا بالضرب والاهانة، ودون ذلك يفلت عنانها ويصعب السيطرة عليها. عندما سئل عن ذلك بعد وقت برر خوفه من أن افضحه أمام أهل زوجي الغريب عن العائلة.
وهكذا كان ..عندما يريد زوجي أن يستمتع ويشغل وقته، يحضر حبلا محشوا بقطع رصاص صغيرة الحجم ويضربني به. وكان علي أن لا اصرخ وان اقبل يده واطلب منه السماح واشتم نفسي بما كان يردده بلسانه القذر.
بدأنا بالطعام وكلنا في عالمه الخاص، أعيش بالمنزل بعدما جاءت رحمة الله تعالى وشنق زوجي نفسه بالخطأ. لم ارثه بشيء ورجعت الى دار أبي وعملت في مشغل لصناعة الأحذية.
والآن وبعد أن انهينا طعام الإفطار وجلسنا نتناول القهوة تنحنح أخي الكبير ليشد انتباهنا إليه وهو يوجه الخطاب لي:
- سائدة.. تقدم لخطبتك عريس له ظروف خاصة، له من العمر ثمانون عاما ولديه ثروة كبيرة. يعيش وحيدا بعد أن ماتت زوجته. يحتاج من يخدمه في ما تبقى له من العمر..أعطيته كلمة رجل بصفتي مسئولا عنك واعلم بمصلحتك.
لم اسمع بقية الكلام وغابت عني الوجوه والكلمات وأنا أبحلق بصورة أبي المعلقة على الجدار، أراه يهز رأسه برضا وكأنه يشير بفضله على ما سيؤول لي من ثروة وجاه وعز. ولو كان حيا لطالبني بنصيبه او أخذه مني غصبا.
وكأنما فتحت يأجوج ومأجوج، انسلت الكلمات من كل حدب وصوب من أفواه الجميع. لأول مرة أرى اهتماما بهذا القدر في أمر يخصني. وبدأت تعليقات غريبة تركزت معظمها في ما قد يكون مفاجأة سارة للجميع من ترك زوجي لي ثروة تكون من نصيبي. الغريب أن إخوتي بدئوا يفكرون في كيفية استغلال المال القادم بل تقاسموه فيما بينهم حتى دون أن يحسبوا حسابي فيه.
سهرنا حتى الحادية عشرة ثم انسحب الجميع الى بيوتهم وتسللت الى غرفتي دون أن أمد يد المساعدة لأختي كما هي العادة في ترتيب المنزل.
لم اعتد على التفكير والتحليل والتخطيط وعقلي كان على (قدي) كما يقولون، لا اذكر أن أية فرصة أتيحت لي كي اتخذ قرارا خاصا بي، وكنت أنفذ كل ما يطلب مني دون مناقشة او اعتراض. في تلك الليلة نمت كما في الليالي السابقة غير مشغولة البال وكأن الأمر لا يعنيني.
في صباح اليوم الخامس بعد العيد اصطحبني أخي الى المحكمة وعقدنا القران على أن اذهب في اليوم التالي الى بيت عريسي. وفي الليل جاء أخي وقدم لي ورقة وضعت بصمتي عليها دون أن اعرف ما بها كوني لا اعرف القراءة او الكتابة باستثناء اسمي الأول.
أوصلوني الى بيتي الجديد مساء اليوم التالي وهناك رأيته عن قرب، عجوز يمشي بصعوبة ويستعين بعكاز خشبي قديم، طويل القامة، محني الظهر، مغضن الوجه واليدين ويلبس نظارة طبية سميكة، قدميه كبيرتين تتقدمها أظافر سوداء طويلة مقوسة وتغلفها شقوق سوداء منفرة. كانت بداية محبطة تختلف عن بيته الأنيق. ما وجه المقارنة وأين الأموال التي يتحدثون عنها؟
قضيت في خدمة زوجي سنة وسبعة أشهر طويلة قضيتها بالردح والتعب بعد أن تدهورت صحته وأصبح غير قادر على المشي او الكلام. وفي ليلة شتاء باردة توفي بين يدي وأنا اسقيه الحليب بملعقة بلاستيكية صغيرة.
عدت الى بيت العائلة انتظارا للذهب والمال الذي اهتمت به فاطمة كثيرا، ولطالما استعجلتني على الاتصال بأخينا الأكبر لإكمال إجراءات الإرث. ثم اتخذت قرارا بزيارته في بيته. وعندما عادت كانت شفتاها متبرمتان ووجها يميل الى السواد واكتست خدودها بالحمرة القاتمة. لم تكلمني ودخلت الى غرفتها.
وفي الصباح أيقظتني بهزات عنيفة بعد أن سحبت الغطاء عني ورمته الى الأرض.
- قومي يا منحوسة. أخوك اخذ أجرته من المحروق بعد ما بصمك على تنازل عن كل حقوقك. كنت مجرد خادمة. استغلنا جميعا وإخوتك الباقين استيقظوا الآن من سباتهم، تركتهم وقد عاد لهم شبابهم.
لم اشغل بالي كثيرا فيما حدث، أخرجت عيداني المفضلة ورحت العب فيها عسى أن اركب شكلا جديدا يعيدني الى عالم تغلب عليه براءة الطفولة.
قصة مشوقة رسمت معاناة أسرة بكاملها وإن كان بطلها فتاة قسى عليها االدهرولوّن حياتها بمختلف الألوان فعشنا معك الأحداث نترقب الحل المنتظر وقد رافقتنا العقدة حتى آخر القصة والجميل أنّ الكاتب رسم الأحداث بلسان أنثوي.
سلمت اناملك وبورك نبضك
يسعدني تثبيتها
تجمعنا طاولة الإفطار كل ليلة آخر جمعة في رمضان، ونتحلق حولها كل في مكانه المعهود لا يتغير رغم مضي السنين في بيت العائلة. ورغم مضي العمر الذي أخذ منا الكثير وأعطانا التجاعيد والشعر الأبيض وأمراض السكر والروماتيزم والضغط،. الا أن روح الشباب ما زالت تغلفنا ونعلق عليها الآمال في التحمل والبقاء. الأخت الكبيرة فاطمة تميل دائما الى الصمت، رغم زعامتها وضبطها لشؤون المنزل منذ وفاة الوالدين. لم تتزوج رغم قائمة طويلة من الخطاب الا أن أيا منهم لم يعجبها واستساغت عيشة العزوبية، وقضت معظم أيامها على سطح المنزل تراقب المارة وتخيط الملابس وتسمع كلام الناس. الصغيرة مديحة دائمة التقطيب والتكشير بعد طلاقها، مع ما كانت تتميز به من الفكاهة وحب النكت. تعيش في بيتها بعد أن غادرها زوجها وتزوج من أخرى. لا تحب المديح أو عبارات الثناء بل في طبعها خشونة وتصل إلى ما تريد دون مواربة. وربما كان هذا ما شجع طليقها على التخلص منها بسرعة. الأخ الأكبر يأتي متأخرا في كل مرة وتعزف نفسه عن الطعام رغم شراهته في الأكل التي تعودنا عليها من صغرنا. الأخ الأصغر أصبح له ذوق سيء في لباسه رغم شياكته المعروفة وحسن هندامه. بعد الإفطار نجلس حول جهاز التلفاز نتابع حلقات مسلسل وادي الذئاب الذي نشاهده منذ سنوات طوال. مديحة أكثرنا تعلقا به وأصغرنا يشاهده على مضض .
في رمضان الحالي بدا على وجوهنا الكبر، ورغم الابتسامات وعبارات المجاملة إلا أننا لم نستطع أن نخفي عدم رضانا عن هذا الاجتماع السنوي رغم ما يتخلل السنة من فرص نرى بعضنا البعض ونلتقي ولو لدقائق معدودة. لقد تربينا على الوحدة وعلى المصلحة الذاتية الشخصية بعيدا عن المصلحة العامة للأسرة.
عمل أبونا تاجرا وقضى معظم وقته خارج المنزل، والأم مغرمة بجلسات النساء في بيوت الجيران. لم نكن نراها كثيرا وكبرنا كل وحده.
أمّا أنا .. الوسطى.. كنت الأجمل والأكثر دلالا عند أمي، الا أن أبي كانت له وجهة نظر أخرى عني ففي اليوم الذي ولدت فيه، خسر تجارته وكسرت رجله في نفس الليلة عندما وقع عليها لوح زجاجي وأصابها بالشلل.
- هذه البنت نحس. لعنة الله على اليوم الذي جاءت فيه.
لم تولي أمي جهدا في إقناعه بعدم وجود النحس، وان قضاء الله هو الغالب على أمره ونصيبه محتوم لا دخل لبشري فيه دون جدوى.
كان أبي عصبيا وعنيدا جدا لا يحترم رأي النساء ولا يوليهن اهتماما بقدر ما كان يبحث عن المال الذي يستخدمه في الاستمتاع بشهواته المتعددة.
يزداد خلافه مع أمي كلما كبرت. كان يضربني كلما يراني العب في البيت ويحاول إحراجي دائما أمام الغرباء. لم يتأثر لدموع أمي او توسلاتها، بل حرمني من التعليم بعدما أنهيت الصف الخامس ابتدائي.
- سأزوجها لأي كلب يتقدم لخطبتها عندما تبلغ السن المناسب للزواج.
عانيت من الوحدة وهجرني إخوتي واستثنوني من كل شيء، وكانوا دائما يتندرون على لساني الذي أصبح ثقيلا تخرج منه الكلمات تجر بعضها بعضا في مزيج من التأتأة وعدم التركيز.
كانت لعبتي المفضلة عيدان الثقاب التي كنت اجمعها واصنع منها أشكالا عديدة. كانت هذه اللعبة الوحيدة التي يسمح لي بها أبي لعل وعسى أن احرق نفسي ويتخلص مني.
وفي ذلك اليوم الذي جاءني فيه عريس هرم يكبرني بثلاثين سنة على الأقل ومطلق وافق أبي دون مشورة من احد. وفي يوم الزفاف اسرّ له أبي بسر النجاح في زيجته الجديدة- عروس غبية منحوسة لا تفهم الا بالضرب والاهانة، ودون ذلك يفلت عنانها ويصعب السيطرة عليها. عندما سئل عن ذلك بعد وقت برر خوفه من أن افضحه أمام أهل زوجي الغريب عن العائلة.
وهكذا كان ..عندما يريد زوجي أن يستمتع ويشغل وقته، يحضر حبلا محشوا بقطع رصاص صغيرة الحجم ويضربني به. وكان علي أن لا اصرخ وان اقبل يده واطلب منه السماح واشتم نفسي بما كان يردده بلسانه القذر.
بدأنا بالطعام وكلنا في عالمه الخاص، أعيش بالمنزل بعدما جاءت رحمة الله تعالى وشنق زوجي نفسه بالخطأ. لم ارثه بشيء ورجعت الى دار أبي وعملت في مشغل لصناعة الأحذية.
والآن وبعد أن انهينا طعام الإفطار وجلسنا نتناول القهوة تنحنح أخي الكبير ليشد انتباهنا إليه وهو يوجه الخطاب لي:
- سائدة.. تقدم لخطبتك عريس له ظروف خاصة، له من العمر ثمانون عاما ولديه ثروة كبيرة. يعيش وحيدا بعد أن ماتت زوجته. يحتاج من يخدمه في ما تبقى له من العمر..أعطيته كلمة رجل بصفتي مسئولا عنك واعلم بمصلحتك.
لم اسمع بقية الكلام وغابت عني الوجوه والكلمات وأنا أبحلق بصورة أبي المعلقة على الجدار، أراه يهز رأسه برضا وكأنه يشير بفضله على ما سيؤول لي من ثروة وجاه وعز. ولو كان حيا لطالبني بنصيبه او أخذه مني غصبا.
وكأنما فتحت يأجوج ومأجوج، انسلت الكلمات من كل حدب وصوب من أفواه الجميع. لأول مرة أرى اهتماما بهذا القدر في أمر يخصني. وبدأت تعليقات غريبة تركزت معظمها في ما قد يكون مفاجأة سارة للجميع من ترك زوجي لي ثروة تكون من نصيبي. الغريب أن إخوتي بدئوا يفكرون في كيفية استغلال المال القادم بل تقاسموه فيما بينهم حتى دون أن يحسبوا حسابي فيه.
سهرنا حتى الحادية عشرة ثم انسحب الجميع الى بيوتهم وتسللت الى غرفتي دون أن أمد يد المساعدة لأختي كما هي العادة في ترتيب المنزل.
لم اعتد على التفكير والتحليل والتخطيط وعقلي كان على (قدي) كما يقولون، لا اذكر أن أية فرصة أتيحت لي كي اتخذ قرارا خاصا بي، وكنت أنفذ كل ما يطلب مني دون مناقشة او اعتراض. في تلك الليلة نمت كما في الليالي السابقة غير مشغولة البال وكأن الأمر لا يعنيني.
في صباح اليوم الخامس بعد العيد اصطحبني أخي الى المحكمة وعقدنا القران على أن اذهب في اليوم التالي الى بيت عريسي. وفي الليل جاء أخي وقدم لي ورقة وضعت بصمتي عليها دون أن اعرف ما بها كوني لا اعرف القراءة او الكتابة باستثناء اسمي الأول.
أوصلوني الى بيتي الجديد مساء اليوم التالي وهناك رأيته عن قرب، عجوز يمشي بصعوبة ويستعين بعكاز خشبي قديم، طويل القامة، محني الظهر، مغضن الوجه واليدين ويلبس نظارة طبية سميكة، قدميه كبيرتين تتقدمها أظافر سوداء طويلة مقوسة وتغلفها شقوق سوداء منفرة. كانت بداية محبطة تختلف عن بيته الأنيق. ما وجه المقارنة وأين الأموال التي يتحدثون عنها؟
قضيت في خدمة زوجي سنة وسبعة أشهر طويلة قضيتها بالردح والتعب بعد أن تدهورت صحته وأصبح غير قادر على المشي او الكلام. وفي ليلة شتاء باردة توفي بين يدي وأنا اسقيه الحليب بملعقة بلاستيكية صغيرة.
عدت الى بيت العائلة انتظارا للذهب والمال الذي اهتمت به فاطمة كثيرا، ولطالما استعجلتني على الاتصال بأخينا الأكبر لإكمال إجراءات الإرث. ثم اتخذت قرارا بزيارته في بيته. وعندما عادت كانت شفتاها متبرمتان ووجها يميل الى السواد واكتست خدودها بالحمرة القاتمة. لم تكلمني ودخلت الى غرفتها.
وفي الصباح أيقظتني بهزات عنيفة بعد أن سحبت الغطاء عني ورمته الى الأرض.
- قومي يا منحوسة. أخوك اخذ أجرته من المحروق بعد ما بصمك على تنازل عن كل حقوقك. كنت مجرد خادمة. استغلنا جميعا وإخوتك الباقين استيقظوا الآن من سباتهم، تركتهم وقد عاد لهم شبابهم.
لم اشغل بالي كثيرا فيما حدث، أخرجت عيداني المفضلة ورحت العب فيها عسى أن اركب شكلا جديدا يعيدني الى عالم تغلب عليه براءة الطفولة.
لم تكن (سائدة) وحدها من تعرض للظم والإهمال، وإن كانت صاحبة النصيب الأكبر في كل هذا.
الجميع تعرض للظلم وعدم الانتبهاه والتربية السليمة الصحيحة.. والدليل على ذلك قول بطلة القصة
سائدة :
{{ عمل أبونا تاجرا وقضى معظم وقته خارج المنزل، والأم مغرمة بجلسات النساء في بيوت الجيران. لم نكن نراها كثيرا وكبرنا كل وحده. }}
وهذا سبب والنتيجته:
{{ لقد تربينا على الوحدة وعلى المصلحة الذاتية الشخصية بعيدا عن المصلحة العامة للأسرة. }}
ربما كانت "سائدة" أكثر أفراد الأسرة تعرضا للظلم وعدم الاهتمام، وقد يكون ذلك لبساطتها ولأنها الأكثر
جمالا وهدوء ..لكن علينا ان ننتبه ان في البيت مطلقة أخرى (مديحة) لم تجد من يهذب طبعها الخشن والذي
قد يكون مكتسبا من طبيعة العيش في منزل والدها القاسي. أيضا هناك فتاة عزباء وهي الأكبر سنا والتي قد
يكون سبب عزوفها عن الزواج أيضا طبيعة الحياة والروتين المزعج في بيت العائلة.
من الإناث الى الذكور ..فالكبير كان واضحا بأنه الأكثر تأثرا بعدم التربية الصحيحة وكأنه لم يوجه في يوم من الأيام
الى عمل صالح أو أخلاق حسنة، هذا الذي استغل بساطة أخته وسرقها بعد ان زوجها زيجة ظالمة.. ولا شئ يميز
الأصغر سوى إشارة ذكية من الكاتب الى تحول ذوق الأصغر وذكر اللباس هنا ليخبرنا عن أمور أخرى جعلت الصغار
يمارسونها رغم أنها بعيدة عن عاداتنا.
{{الأخ الأصغر أصبح له ذوق سيء في لباسه رغم شياكته المعروفة وحسن هندامه}}
وهذا ما يحدث في المجتمعات العربية في وقتنا الحالي، الذوق السئ الذي لم تكن تعرفه الأجيال السابقة.
ما يثير حقيقة في هذا النص عدم اهتمام البطلة بما يدور حولها ..لا مبالاة ..ربما كان هذا بسبب تراكمات
الظلم من الأب الى بُعد الأم الى الأخ الأكبر الذي سرق ما ورثته قبل ان تتزوج، وكأنه كان يعرف ان الأمر
لن يطول فجعلها تبصم على تنازلها له بكل ما سترثه..والموجع ان تتلقى اللوم من أختها على ما فعل الأخ
الأكبر وهي تعلم أن أختها لا قوة لها ولا حيلة.
النص يريد توجيه صرخة أو عدة صرخات الى المجتمعات العربية بإعادة النظر الى تعامل هذه المجتمعات مع
الأنثى التي تتعرض للإهانة والظلم حتى في العائلات المنفتحة والتي تعود الأنثى على التسيب وعدم تأسيس
قوي للأخلاق الحميدة والحياء (خلق هذا الدين) ما زالت المرأة تعاني حتى في دول الغرب أيضا، لكن الوضع
في مجتمعاتنا مختلف..لا شك في هذا.
وإلى حالات التفكك الأسري الذي صار واضحا في مجتمعاتنا ..وكيف أنه يمكن أن يورث للجيل الذي يليه..وهذا الأمر خطير.
اختيار الأسم (سائدة) لم يكن عبثيا ..بل كان مقصودا وكأن الكاتب أو النص يريد ن يذكرنا بأن السيادة الحقيقية
لا تكون إلا للأنقياء ومن يملكون القلوب الناصعة بياضا وطيبة.
النص رائع ..والسرد آسر.. الفكرة على استهلاكها إلا أن النص هنا جاء مختلفا ليجعلنا لا نلتفت لهذه النقطة بالذات
كما ان الموضوع يحتاج الى ان يطرح في كل المجالات علنا نصل الى مرتبة الإنسان فنحترم المرأة ونعطيها حقوقها
كما يجب، وأن نعمل بوصايا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال (المرأ لا يكرمها إلا كريم ولا يهينها إلا لئيم
وفي حديث آخر جاء بلغة رائعة ــ رفقا بالقوارير ــ والأحاديث بهذا الخصوص كثيرة.
الحبك كان جيدا الى حد كبير لكنني تمنيت قفلة أقوى من هذه القفلة، وهذا لا يعني ان هذه القفلة سيئة.
الأديب المكرم سمير الأسعد
أبدعتم في طرح قضية حساسة من خلال نص جميل ورائع في كل مكوناته.
بوركتم وبورك عطاؤكم الكبير.
احترامي وتقديري
التوقيع
قبل هذا..ما كنت
أميـــز..
لأنك كنت تملأ هذا
الفراغ..صار للفراغ
حيــز.!!