كانت تهانى تسلب عقله وجيبه معا..مسكين جارنا القديم تعلق بها وهام..تمكنت من احلامه..احميده الذى كانت تتقاذفه الافراح والليالى الملاح من عرس الى عرس..اشتهر بحنجرته الجياشة..لايكون لاى عرس معنى مالم يصدح فيه هذا البلبل الحزين..وعندما احب تهانى تعمق صوته حنينا وحزنا..لكن لتهانى رأى آخر فى أحميده..راى غير معلن وقد لايكون مفهوما..واحميده يبدو انه اعمى البصيره..لو انه واجه ذاته ..لادرك انه ليس من النوع الذى يستهوى تهانى الجميلة والمدلله..صحيح انه شاب واعزب..لكنه يغنى فى الاعراس وثرثار..حتى ان احد الخبثاء فى الشارع قال له ذات يوم:
- لوكنت امرأة لما تزوجتك ولوكنت آخر الرجال فى هذا البلد!!
مع ذلك لماذا يغيب عن احميدة واقعه!! ليس فيه ميزة يمكن ان تجذب تهانى ، والامر لايتعلق بالوسامة..فهو ليس دميما وليس وسيما ايضا!!غير ان الفتاة المدللة لها تطلعات لاتتسق مع امكاناته..فهو تائه بلا مستقبل ..ترك الدراسة من الصف السادس واتخذ من الشوارع والاعراس ملجأ لتسكعاته واحزانه!! ولم يكن هناك بصيص فى حياته يمكن ان يجذب تهانى اليه..لكنه يحبها ..ذات مرة قال لى:
- اتدرى؟؟ انا من غيرها خرقة فى مهب ريح!! لابد ان اراها كل يوم..هي بالنسبة لى مثل الوقود للسيارة..هل سمعت عن سيارة تسير بدون شحنة او وقود؟؟اناالسيارة وهى الشحنه!!اذا لم اشحن كل يوم بمرآها اتوقف عن الحركة والحياة!!
تهانى كانت تعرف احميده وتعلم مدى شغفه بها..استهوتها اللعبه ..ثم انه ما الخسارة فى ان يكون هذا الابله تسليتها ومصدر مادى لها!! فالذى يجمعه من الاعراس ومصروفه اليومي الذى يمنحه له والده كان يمده لها هدايا مثل خاتم او سلسلة ذهبيه..
احميدة الذى لايملك غير مستقبل مجهول ، اعيا والده وهو يرغمه على الذهاب الى المدرسة كل صباح ، كان الجيران يفيقون على صراخ الاب وهو ينهره ويسوقه بالعصا الى باب المدرسة ..كلما التفت خلفه هوى بها على ظهره..فاحميده لم يكن للدراسة..حاصره رفقاء الشقاء ورموه كل ليلة فى السهر حتى الافجار ليجد عصا ابيه فى انتظاره عند عودته مخمورا!!..
تهانى وصلت الى التوجيهية واحميدة ما يزال فى مكانه الابتدائي !! لكن مرآته تقول له ان الفتاة تحبه حتى لو اضطرها الامر الى الزواج به رغم انف اسرتها!!..هكذا كانت توحى له..وبهذا الحجم من الخيال الذى يشبه قصص الافلام المصرية فيتزوج الفاشل من الطبيبه والمُعدم من الثرية..لابد ان تكون النهاية مؤلمة وقاسية وحاسمة..لأن المرآة الخادعه هي مقتل الناس ونهاياتهم!!
- يا ابى لو خطبت لى تهانى اعدك بان اكون كما تريد..ساواصل دراستى ليلا والتزم بالمذاكرة واحقق لك حلمك فى ان اكون طبيبا يعالجك من النقرس فى كبرك..ساكون عكازك الذى تتكىء عليه..ساكون سندك وقرة عينك..فقط يا ابى حقق لى هذه الامنيه..
- لكن يا ولدى تعرف ان الامر صعب!! فهى فتاة متعلمة و...
- يا ابى انا رجل فى النهاية لايعيبنى شىء..وانا لااريد غير الموافقه لكى تحفزني على بناء مستقبلى..اترك الاعراس ورفقاء السوء وكل ما يغضبك منى..
الاب هو الاب..وعندما يضع فلذة كبده امامه هذه الاماني مقابل ان يخطب له ابنة الجيران..لابد ان يتحمس للامر والمحاوله حتى وان عرف النتائج مسبقا لكن الحياة هي الامل..وما يمنعه من خوض التجربه..
احميدة يهيم بتهاني ويظن البائس انها تهيم به ولن ترفضه وستتحدى العالم من اجله..وانا ادفع عمرى مقابل ان اعرف كيف تسنى له هذه الثقه بنفسه؟؟ وبحبها له؟؟وظن انها صادقه عندما ابدت له موافقتها وشجعته على الخطبه..وهى ايضا لم افهم موقفها..لماذا فعلت ذلك به وبنفسها؟؟هل تريد ان تعلم اهلها بانها قد اصبحت مطلوبه!! وان الناس يتهافتون عليها وان عليهم التفكير لها فى زوج مناسب..؟؟او ربما هي تظن ان الاب لن يجرؤ على طلب يدها لابنه..
احميده انطلق الى اعراسه تظلله احلامه الوردية وغده البهي مع تهاني...اما الاب فقد توجه بخطوات متثاقلة ومتوجسة الى منزل الجيران..جلس فى حجرة الاستقبال وانتظر والد الفتاة حتى خرج اليه..كان صوته متلعثما وهو يطرح القصة على والد الفتاة الذي احمر وجهه غضبا وهو يسمع ما يسمعه..يبدو انه لم يكن يتوقع هذا الطلب من الاب..بل اعتبره اهانة لابنته ووقاحة من الاب!!
- ما كنت احسب انك بهذا التفكير يبدو ان الابن نسخة من ابيه؟؟احزنتنى بهذا الطلب ..بل كيف تسمح انت ان يكون فى تاريخ حياة تهاني ان يكون مجرد احد خطابها " احميده" لو كانت ابنتك لما سمحت لها بان تتزوج منه..بل لااظن ان تكون بصدري الرحب حتى تسمح لي بان اكمل حديثي..
لكن..الاب..جثا على ركبتيه امام والد تهاني ..حاول ان يقبل يده فانتزعها منه واشاح بوجهه نحو الحائط.. احس بالعطف عليه..لكنها فلذة كبده:
- اتوسل اليك..اعيش بقية عمري خادما تحت قدميك..ان تتظاهر بالموافقه ليس الا..لاتدري ماالذى تعنيه بالنسبة لي هذه الموافقه..ان مستقبل ولدي الى الهاوية اذا لم توافق على هذا الزواج..
امسك بيده ، فانتزعها بقوة هذه المرة ، حتى اختل توازن الاب وسقط على وجهه بينما تركه والد تهاني وخرج من الغرفة ..
الموقف كان مأساة بالنسبة لأحميده..كان ما بدر من تهاني التى لم تدافع عن العشق المزعوم كوقع الصاعقه عليه..وفى الشارع استوقفته على الملأ لتؤكد له انه اهطل ومخبول لمجرد انه فكر فى ان يكون فتى احلامها..
منذ ذلك اليوم لم يرى جارنا احميده يوما سعيدا حتى مات فى ظروف غامضه على شاطيء جليانه..اما تهاني فقد تزوجت ونامت ملىء الجفون ولم تفكر لحظة واحدة فى ما حدث لاحميده بسببها...لكنها وفقت فى ان يكون احميده وسيلة فى الاسراع بتزويجها..
صفة غير محببة ان يكون الشخص ثرثارا .. قيل خذ من يحبك ولاتاخذ من تحبه ، لو فكرت تهاني للحظات به لانقلب الوضع وصان حبها وتزين بالصمت على الاقل محاولة ، لكن حين تضع احدانا براسها ما تراه يليق بها حتى ولو قاربت النار من قلبها ، لن تتنازل عما يجول بخاطرها ، وسوف لن ترى وجيعة الاخر وتقول كما نقول بالعراقي ..( محد ضاربك على ايدك ) .
دائما تجعلنا نهفو على نصوصك .. مااروع حرفك !
التوقيع
ذات كأس، مترع بالغروب، وعلى حافته تتسكع شهقة ليل .
صفة غير محببة ان يكون الشخص ثرثارا .. قيل خذ من يحبك ولاتاخذ من تحبه ، لو فكرت تهاني للحظات به لانقلب الوضع وصان حبها وتزين بالصمت على الاقل محاولة ، لكن حين تضع احدانا براسها ما تراه يليق بها حتى ولو قاربت النار من قلبها ، لن تتنازل عما يجول بخاطرها ، وسوف لن ترى وجيعة الاخر وتقول كما نقول بالعراقي ..( محد ضاربك على ايدك ) .
دائما تجعلنا نهفو على نصوصك .. مااروع حرفك !
قراءتك لهذا النص يا فاطمة انثوية مميزة وباذخة ، اختزلت الكثير من المسافات في تفاصيلها، وهذا هو الحب بالفعل يحولنا إلى مسارات أخرى اذا ما تعاطى معنا الحبيب وضم قلوبنا نحوه..شكرا يا صديقتي المُبدعة.
أستاذ محمد السنوسي
إن العاشق الحقيقي يفقد طاقته بالفعل ولا يقوى على فعل شئ إلا
إذا كحل عينيه برؤية حبيبه
الحب من طرف واحد نقمة على صاحبه ، وعلى المرء أن يوجه مشاعره في الإتجاه الصحيح
لكن من ذا الذي يستطيع أن يتحكم بمشاعره عندما يبدأ قلبه بالخفقان
قصة جميلة
وسرد رائع كما عهدناه
دمت لنا ولكل محبيك
لا أعرف على من أضع اللوم ...على تلك الأنثى اللعوب أم على الأبله الذي زاد
العشق بلهه وأغرقه في بحر من الأحلام لا يملك قوة للخروج منه
قرأتها طبعا سابقا ولكنها كل مرة تصل بنكهه مختلفة
دمت مبدعا
مودتي
أستاذ محمد السنوسي
إن العاشق الحقيقي يفقد طاقته بالفعل ولا يقوى على فعل شئ إلا
إذا كحل عينيه برؤية حبيبه
الحب من طرف واحد نقمة على صاحبه ، وعلى المرء أن يوجه مشاعره في الإتجاه الصحيح
لكن من ذا الذي يستطيع أن يتحكم بمشاعره عندما يبدأ قلبه بالخفقان
قصة جميلة
وسرد رائع كما عهدناه
دمت لنا ولكل محبيك
احياناً يكون العشق مبعث انتحار لأنه في غير موضعه ولذلك مات الشاب في ظروف غامضة..شكراً سولاف اسعدتني فراءتك.
لا أعرف على من أضع اللوم ...على تلك الأنثى اللعوب أم على الأبله الذي زاد
العشق بلهه وأغرقه في بحر من الأحلام لا يملك قوة للخروج منه
قرأتها طبعا سابقا ولكنها كل مرة تصل بنكهه مختلفة
دمت مبدعا
مودتي
ام ليث الغالية ، في كل قراءة لابد ان تكتشفين جانباً خاصة ان الحكاية من صلب اهتماماتك الاجتماعية..شكرا لمرورك الكريم.