قد شاع عنك من البخل في الآفاق، ما قد صار سمَرا بين الرفاق. و أنت تمدح في شعرك الكرمَ و أهله.
أ لست القائل:
و من ينفق الساعات في جمع ماله
مخافة فقر، فالذي فعل الفقرُ
و معلوم أن البخل قبيح، و منك اقبحُ، فإنك تتعاطى كبر النفس، و علو الهمة، و طلب الملك، و البخل ينافي ذلك.
فقال:
إن للبخل سببا. و ذلك أني أذكر أني وردتُ في صباي من الكوفة إلى بغداد، فأخذت خمسة دراهم بجانب منديلي، و خرجت أمشي في أسواق بغداد، فمررت بصاحب دكان يبيع الفاكهةَ، و رأيت عنده خمسة من البطيخ باكورة. فاستحسنتها ، و نويت أن أشتريها بالدراهم التي معي.
فتقدمت إليه و قلت:
ـ بكم تبيع هذه الخمسة بطاطيخ؟
فقال بغير اكتراث:
ـ اذهب، فليس هذا من أكلك !
فتماسكت معه و قلت:
ـ يا هذا ، دع ما يغيظ و اقصِدِ الثمن.
قال:
ـ ثمنها عشرة دراهم !
فلِشِدة ما جبَهَني* به ما استطعت أن أخاطبه في المساومة. فوقفت حائرا، و دفعت له خمسة دراهم فلم يقبل. و إذا بشيخ من التجار قد خرج من الخان* ذاهبا إلى داره. فوثب إليه صاحب البطيخ من الدكان، و دعا له، و قال:
ـ يا مولاي، هذا بطيخ باكورة . بإجازتك* أحمله إلى البيت؟
فقال الشيخ:
ـ ويحك، بكم هذا؟
قال:
ـ بخمسة دراهم.
قال:
ـ بل بدرهمين !
فباعه الخمسة بدرهمين، و حملها إلى داره، و عاد إلى دكانه مسرورا بما فعل.
فقلت:
ـ يا هذا، ما رأيت أعجب من جهلك.اِسْتَمْتَ * عليَّ في هذا البطيخ، و فعلت فعلتك التي فعلت، و كنتُ قد أعطيتك في ثمنه خمسة دراهم، فبعته بدرهمين محمولا !
فقال:
ـ اسكتْ ! هذا يملك مئة ألف دينار!
فعلمتُ أن الناس لا يُكرمون أحدا إكرامهم من يعتقدون أنه يملك مئة ألف دينار. و أنا لا أزال على ما تراه حتى أسمعَ الناس يقولون إن أبا الطيب قد ملك ألف دينار.
ألمانيا بلد صناعي. وهو ينتج أعلى العلامات التجارية مثل بنز، بي أم دبليو، وشركة سيمنز الخ.و يتم ضخ الطاقة بالمفاعل النووي في مدينة صغيرة في هذا البلد.
في بلد كهذا،يتوقع الكثيرون رؤية مواطنيها يعيشون في رغد وحياة فاخرة. على الأقل هذا كان انطباعي قبل رحلتي الدراسية.
عندما وصلت الى هامبورغ، رتب زملائي الموجودين في هامبورغ جلسة ترحيب لي في أحد المطاعم. وعندما دخلنا المطعم، لاحظنا أن كثير من الطاولات كانت فارغة. وكان هناك طاولة صغيرة تواجد عليها زوجين شابين لم يكن أمامهما سوى اثنين من الأطباق وعلبتين من المشروبات. كنت أتساءل إذا كانت هذه الوجبة البسيطة يمكن أن تكون رومانسية، وماذا ستقول الفتاة عن بخل هذا الرجل. وكان هناك عدد قليل من السيدات كبيرات السن.
كنا جياعا، طلب زميلنا الطعام كما طلب المزيد لأننا نشعر بالجوع.. وبما أن المطعم كان هادئا، وصل الطعام سريعاً. لم نقض الكثير من الوقت في تناول الطعام.
عندما غادرنا المكان، كان هناك حوالي ثلث الطعام متبقٍ في الأطباق. لم نكد نصل باب المطعم الاّ وبصوت ينادينا!! لاحظنا السيدات كبيرات السن يتحدثن عنا إلى مالك المطعم!! …. عندما تحدثوا إلينا، فهمنا أنهن يشعرن بالاستياء لإضاعة الكثير من الطعام.! قال زميلي: "لقد دفعنا ثمن الغذاء الذي طلبناه فلماذا تتدخلن فيما لايعنيكن؟" إحدى السيدات نظرت الينا بغضب شديد. واتجهت نحو الهاتف واستدعت أحدهم.
بعد فترة من الوقت، وصل رجل في زي رسمي قدم نفسه على أنه" ضابط من مؤسسة التأمينات الاجتماعية" وحرر لنا مخالفه بقيمة 50 مارك!.
التزمنا جميعا الصمت. وأخرج زميلي 50 مارك قدمها مع الاعتذار إلى الموظف.
قال الضابط بلهجة حازمة "اطلبوا كمية الطعام التي يمكنكم استهلاكها ..... المال لك لكن الموارد للمجتمع. وهناك العديد من الآخرين في العالم الذين يواجهون نقص الموارد….. ليس لديك سبب لهدر الموارد "!.
احمرت وجوهنا خجلاً... ولكنا اتفقنا معه.. نحن فعلا بحاجة إلى التفكير في هذا. نحن من بلد ليس غنياً بالموارد ومع ذلك ومن أجل حفظ ماء الوجه نطلب الكثير من الطعام عندما ندعو أحدهم ، وبالتالي يكون هناك الكثير من الطعام المهدوروالذي يحتاجه الآخرون. إن هذا الدرس يجب أن نأخذه على محمل الجد لتغيير عاداتنا السيئة.
قام زميلي بتصوير تذكرة المخالفة وأعطى نسخة لكل واحد منا كهدية تذكارية.
جميعنا الصق صورة المخالفة على الحائط لتذكرنا دائماً بأن لا نسرف أبداً.
"فالمال لك، لكن الموارد للمجتمع"
من ما وصلني وراق لي
التوقيع
وما من كــاتب إلا سيفنى … ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شي... يسرك في القيامة أن تراه
الغالية هيام مساءك محمل بعبير المحبة وأوقاتك مواسم أمل
اختيار جميل شكرا لأنك نقلت لنا هذه العبرة التي أشعرتنا
بمدى التبذير الذي نقوم به من حيث لا نعلم .. والسبب الأساسي
لنتحاشى آراء من حولنا .. كي لا ينعتونا بالبخل ..
وكي لا نتهم بالحرص ليس على موارد المجتمع بل على المال
سعيدت بمروري من متصفحك لك مني كل التقدير والمحبة ومشاتل من الياسمين الدمشقي
العزيزة الغالية سفانة
قرأت ردك هذا الصباح
وكان محملاً بنسائم الأهل ورائحة تراب الوطن
جعلني فرحة مسرورة وشد من عزيمتي في غربتي .
لمرورك كل التقدير والشكر
مودتي لكِ تدوم
هيام
التوقيع
وما من كــاتب إلا سيفنى … ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شي... يسرك في القيامة أن تراه
توجّهت الطفلة ذات السادسة إلى غرفة نومها،
و تناولت حصالة نقودها من مخبئها السري في خزانتها،
ثم أفرغتها مما فيها على الأرض، و أخذت تعد بعناية ما جمعته من نقود خلال الأسابيع الفائتة،
ثم أعادت عدها ثانية فثالثة، ثم همست في سرها :
“إنها بالتأكيد كافية، و لا مجال لأي خطأ” ؛ و بكل عناية أرجعت النقود إلى الحصالة ثم لبست رداءها، و تسللت من الباب الخلفي، متجهة إلى الصيدلية التي لا تبعد كثيرا عن دارها.
كان الصيدلي مشغولا للغاية، فانتظرته صابرة، و لكنه استمر منشغلا عنها،
فحاولت لفت نظره دون جدوى، فما كان منها بعد أن يئست إلا أن أخرجت قطعة نقود معدنية بقيمة ربع دولار من الحصالة،
فألقتها فوق زجاج الطاولة التي يقف وراءها الصيدلي ؛ عندئذ فقط انتبه إليها،
فسألها بصوت عبر فيه عن استيائه : ماذا تريدين أيتها الطفلة ؟ إنني أتكلم مع شقيقي القادم من شيكاغو،
و الذي لم اره منذ زمن طويل .. فأجابته بحدة مظهرة بدورها إنزعاجها من سلوكه:
شقيقي الصغير مريض جدا و بحاجة لدواء اسمه / معجزة /، و أريد أن أشتري له هذا الدواء.
أجابها الصيدلي بشيء من الدهشة:عفواً، ماذا قلتِ ؟
فاستأنفت كلامها قائلة بكل جدية: شقيقي الصغير أندرو، يشكو من مشكلة في غاية السوء، يقول والدي أن هناك ورما في رأسه،
لا تنقذه منه سوى معجزة، هل فهمتني ؟؟؟ فكم هو ثمن /معجزة/ ؟ أرجوك أفدني حالا !
أجابها الصيدلي مغيرا لهجته إلى أسلوب أكثر نعومة :أنا آسف، فأنا لا أبيع /معجزة/ في صيدليتي !”
أجابته الطفلة ملحَّة: = إسمعني ِجيداً، فأنا معي ما يكفي من النقود لشراء الدواء، فقط قل لي كم هو الثمن ! “
كان شقيق الصيدلي يصغي للحديث، فتقدم من الطفلة سائلا: ما هو نوع /معجزة/ التي يحتاجها شقيقك أندرو ؟ “
“أجابته الفتاة بعينين مغرورقتين: لا أدري ، و لكن كل ما أعرفه أن شقيقي حقيقة مريض جدا ، قالت أمي أنه بحاجة إلى عملية جراحية، و لكن أبي أجابها، أنه لا يملك نقودا تغطي هذه العملية، لذا قررت أن أستخدم نقودي !.
سألها شقيق الصيدلي مبدياً اهتمامه: كم لديك من النقود يا صغيرة ؟ “
فأجابته مزهوة : = دولار واحد و أحد عشرة سنتا، و يمكنني أن أجمع المزيد إذا احتجت !..”
أجابها مبتسما: يا لها من مصادفة، دولار و أحد عشر سنتا، هي بالضبط المبلغ المطلوب ثمنا ل (معجزة ) من أجل شقيقك الصغير
ثم تناول منها المبلغ بيد وباليد الأخرى أمسك بيدها الصغيرة، طالبا منها أن تقوده إلى دارها ليقابل والديها، وقال لها: أريد رؤية شقيقك أيضا .
لقد كان ذلك الرجل هو الدكتور كارلتُن أرمسترنغ، جراح الأعصاب المعروف .
وقد قام الدكتور كارلتن بإجراء العملية للطفل أندرو مجاناً، و كانت عملية ناجحة تعافى بعدها أندرو تماما ..
بعد بضعة أيام، جلس الوالدان يتحدثان عن تسلسل الأحداث منذ التعرف على الدكتور كارلتون وحتى نجاح العملية و عودة أندرو إلى حالته الطبيعية،
كانا يتحدثان و قد غمرتهما السعادة، و قالت الوالدة في سياق الحديث: ” حقا إنها معجزة ! “
ثم تساءلت : ” ترى كم كلفت هذه العملية ؟”
رسمت الطفلة على شفتيها ابتسامة عريضة، فهي تعلم وحدها أن /معجزة/ كلفت بالضبط دولار واحد و أحد عشر سنتا.
التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC]
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 12-13-2011 في 09:25 PM.