لم أسأل نفسي من كتب هذه السطور
أذا كنت لم أزل في قاع الارض المعتمة
ربيع الحلمي
شراع في ليلة هادئة من حزيران, أيقظ في ذاكرته الماضي, ثم تسرب من نخاعه الشوكي سبعة خيوط تشبه الضباب
....رأى فيها العصا التي كانو يضربونه بها دون سبب...رأى الماء البارد الذي يسكبونه فوق رأسه في كانون الثاني...
وفي الخيط االثالث رأى غرفته السوداء التي عاش فيها عشرات السنين دونما أنيس ولاشفيع ولاصوت ولاصدى....رأى النملة التي تجرأت ذات ليلة وتسللت الى مخدته وسامرته واشفقت عليه,رأى حنجرة المعذبين وهم يولولون تحت الكهرباء والسياط والماء االساخن في تموز.....وفي أخر الخيوط تذكر الضاابط الذي جاء عند الفجر,وأقتاده وعيناه مغلقتان بالخوف والتهديد.....لم يسأل هو يعرف أن االبقاء حيا مجرد لعبة..وأن عليه أن يعيش الفائض من أيام العمر البائس.....
أنت المدعو ربيع الحلمي .....؟
أجاب نعم... لم أتمكن من أخلاء ضحكتي عن فم يسخر من نصف الأم الدنيا.....فهم يعرفون اسم أبي وامي وعشيرتي وكل شيء....
سأعترف سيدي.....
سأكتب قائمة بأسماء أصدقاائي..أطفالي وزوجاتي وكل جزء من حياتي...قائمة مبللة بالدموع...أذكر فيها عدد الرسائل والكلمات الغبية التي كتبتها...سأعترف بكل أخطائي ما دام العمر يمضي نحو المغيب.....
أن أخطر أسراري وجرائمي لاتساوي هجرة الشمس التي غادرت عيني وأفراحي وصرت بعدها أفكر في ليل مبهم....نعم سأقول أن الماضي كان عظيما وأن الروح أنتعشت فيه, وأنه صارمثل الحلم لا أصدق أنه سيعود.....
بسرعة أيها الضابط...سأقول أن الماضي كان نبيلا" أيظا وفاجعا", الماضي ؟ كأنه أسم طفل من اطفالي ,بريء وطاهر... محطة الحب الأولى ,محطة نصف العمر ...هل تعرف أيها القاسي شيئا أسمه الماضي ؟؟
لا الشمس معي ، ولا حقل خياناتي، ولا ذاك الماضي الجميل معي ....سوى وجهك أنت اسود لامع مثل أجساد المعذبين....بسرعة سأقول
،أنك لن تكون سيدي ولن أحقق حلمك في أن أبكي...سأبكي كل عمري فأنا كثير الأحزان ،لكنني سأخفي دموعي حين أراك....كي أسمع صوتك
دائما يصرخ بي ،أن أعترف ، وسأعترف حقا""...فهذا يساعدني على االبقاء يوما أخر....
أي رقم يلصق على حقل كلماتي؟ امرأة هنا ..وقصة هناك ، بكاء على خطأ ،وبكاء على فراق...أي رقم بلغت في خيانة نفسي ؟ أحبابي ومن
عاشرني ومن ضيع العمر معي....هم لايريدون االمحطات كلها...سرعان ما يصرخ الجلاد ويبصق في وجهي ...
لاشأن لنا بالنساء...نريد أن نعرف أسرارك أنت ؟؟؟ماذا وراء هذه االرسائل..أنك تدبر أمرا" خطيرا"....
سأعترف بكل هدوء وبدون مشقة...وأذا أردت أن تصغي لي لن تحتاج الى ضربي وأهانتي...كل واحد منا يعرف مكانه من هذه اللعبة االقذرة....اليس كذلك...؟
من أين تعرف صفاء.....ماذا قالت لك هذه االمرأة االعاشقة؟؟؟؟
سأقول كل شيء ليس ثمة ما يمنعني من كشف أوراقي وحياتي معها...وأذا رأيتم أن العلاقة بيننا على جانب من الغموض والغرابة...فالذنب ليس
ذنبي...هي امرأة رائعة والنساء الرائعات لابد أن تحتوي حياتهن على شيء من الغرابة والغموض معا"....هل تفهمني ...؟؟
لكنها ليست مجرد امرأة عابرة.....أما قلت لي أن بيني وبينها أسرار وأنكم تريدون الوقوف عليها.....
دعني أساعدك على كشف أسراري معها وأذا كنت مرهقا"،دع هذا لوقت أخر، ذلك أني أذا تكلمت لن أسكت أبدا مهما قسوتم على لحمي وعظامي.....
أنها أيها السيد،زوجة الروح حيث لامهر ولا محكمة ولا طلاق بيننا....معها عرفت النقاء وأكتشفت نفسي وبدأت أفهم سر االاشجار والمطر والكتابة والقمر....نعم معها شعرت بالقوة ونسيت ضعفي...ألتقيت أنا االغريب بأغرب امرأة....ورغم الفارق االشاسع بين نموذجينا ، صار واحدنا معجون بالأخر... يفعل ما لايفعله أي أثنين محبين في هذا الزمن ، أرشيف حياتنا غامض وخرافي وغريب جدا"، ومن حقك أن تتوهم وترى في أقوالها خطرا"
....ومن حقك أن لا تصدق...خذ واقرأ بعض ماكتبت ،وحاول أن تجد في هذا الجبل العالي من الكلمات شيئا أعتياديا"....
هي بأختصار سيدة نفسي وأرجو أن ترحموها من السؤال، فقد آن لها أن ترتاح ،وآن لي أن أغلق باب الماضي لجميل، أغلق الباب وأعتذر عن سيئاتي وأكف عن ذكراها منذ الأن وحتى ليلة مقتلي، هذه المرة أعرف أني مقتول ، فقد شعرت بما يدور حولي ورأيت موتي في عيونكم ...
لكنني سأعترف وأكتب أذا شئتم حياتي كلها ، عل شيئا يتغير ..من يدري ، أنه زمن غامض وعجيب ، وأنا رجل بسيط ، أثق باالحظ والمعجزات.....
وها أنتم سادتي عرفتم كل شيء ....حقل خياناتي وسيدتي الجميلة وماضي حياتي.....هل يكفي هذا ؟؟
تلك أيامي جمرها وجمالها عشقها وهلاكها،تلك محطات العمر ..الربح والخسارة معا" فماذا أقول أيظا" ؟؟؟
قل أيها الجلاد المحبوب ...أأنا أصغي ما زال عقلي معي يدور كما يدور الناعور...وما زالت وراء ذاكرتي أسماء وملفات ونساء وبيوت...بل حتى جرائم كبرى أقترفتها وحدي ، حتى أني نسيت أن أخبركم أني رجل أعشق الكتابة والسفر وأكذب كثيرا" وأختار ثيابي بنفسي ...هل تنفع هذه الصغائر في تبرئتي ....؟؟؟
مانفع أعترافاتي وقد فات عليها وقت طويل ؟ربما ترغب أن اسكت...لا أريد أن أكون مجرد أوراق مهملة قد لا يقرؤها أحد...لا تفكر بأمري فقد جربت البقاء وحدي الأف الساعات... وأقسم أني سأكون في غاية الفرح أذا ما غادرتني وجعلتني أسكت هذا الهذيان المنبعث من أعماق الروح.....
ساعدني على النجاة منكم....فقد صارت حياتي مجرد خسارة..لكنني ما زلت أحب وأفكر وأدغدغ خيالاتي وأبتسم لعل وجه طفل عابر ينقذ نفسي من هذا الخراب...لعل وجه أمي أذا طاف بي ينقذ روحي من الذل واالخسارة التي صار عنوانها حياتي.......
في الليلة نفسها........جرجروه الى سراديب التعذيب ..وقبل أن تتسرب ذرات الموت بين لحمه...تذكر حبيبته صفاء وأيقن أن هذا االضابط كان يطاردها ,ان الأمر ليس مصادفة...لكنه أدرك قبل أن يسقط في جوف نهايته الحزينة ....كم كان غبيا"...كان عليه أن لايعشق..ولايسمح أبدا"
لتلك الخيوط التي تشبه الضباب ،أن يراها ثانية وأن يعيشها......
عند الثانية ظهرا"" ، لم يكن ثمة كائن في الدنيا يسمى ربيع االحلمي...لم يبق منه سوى جثة هامدة وبضعة رسائل........
بقلم رعد الحلمي