دَائِرَةٌ ... حتى إذا بلغ أشده، وأحسَّ بتمام العافية قد طاب لها المقام في جسده، نظر إلى مَنْ هم حوله، فبدَا له من وجُوههم شحوبٌ جلي لم تخطئه عيناه، وفي أبدانهم ظهر له هزال ناطق فصيح، وضعف شديد غير صامت بليغ... ثمَّ أتى عليه حين من الزمن، وقد طالت سلامته، ولم تكدر صفو عيشه ضربة نازلة ولا شوكة واخزة، ولا ضيقت عليه الخناق مصيبة طارئة، أو ألمَّ به بلاء عاصف، فظن غفلة منه أن دوام الحال التي ينعم بها لم تعد ضرباً من المحال، وأن السَّعادة التي يرفل في ثوبها الجميل، ويمشي مختالاً فخوراً مرتدياً أجمل حللها، مقيمة غير مرتحلة أو مسافرة، وأنَّ السكينة التي ينهل من ماء عينها، ستلازمه كظله، ما دامَ حيّاً يرزق بين الناس، وستصاحبه مدى الحياة، ولن تطيق فراقه يوماً، ولا النأي عنه لحظة واحدة... ذات يوم حلَّ به ما لم يقرأ عنه كتاباً، ونزل في ساحته ما لم يضرب له موعداً أو حساباً، فعلا وجهَهُ شحوبٌ لم يرَ له في مرآة مثيلاً، ولاحَتْ منه للذين يسعى بينهم آثار علل صارخة، لم يستطع إخراسَ ألسنتها، ولا قدر على مواراة وجوهها المرعبة، فانبعث منه وهنٌ نائح فاضحٌ لم يفلح في النأي به بعيداً عن الأنظار... د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي السندباد