أكيد أنتم تتساءلون عن النعمان هذا!! وقد أخذ مساحة من أوراقي وقلبي .
فأجيبكم :إنّه فرد من أفراد عائلتي ، يناديني ماما ويوقظني صباحا عندما أتأخر في النهوض من فراشي وحين لا يشم رائحة القهوة وهي منبعثة من المطبخ .
فأستجيب لندائه بسرعة وإلاّ فضحني وملأ المكان صراخا فأمنحه قطعة خبز مبللة بالحليب وقطرات من القهوة.
آه لو رأيتم الطريقة العجيبة التي يمسك بها طعامه ما من أحد يرى ذاك المشهد ولا يتفوه بسبحان الله..!
نعمان صغير العائلة.
لايمكن أن أتصور غيابه فقد أصبح وجوده بيننا حتمية .
وكان نعمان ينادي كلّ واحد منّا بإسمه بطريقة مضحكة فكان ينثر السعادة بيننا ويشاهد التلفاز معنا فيردد الكثير من الأصوات وكنّا نفرح بذلك ونرى أنّه غنيمة حبانا الله بها وحين أحسّ أنّ وقت نومه قد حان أحمله إلى مكانه المعتاد وأطفئ الضوء لأنّه يعشق الظلام رغم صغر سنه.
وفي يوم من أيام العطلة الصيفية قررنا زيارة أهلي وطبعا نعمان سيسافر معنا.
إذ لا يمكن تصوره بعيدا عنّا .
وهكذا قمنا باكرا وجهزنا السيارة وارتدينا أفخر الالبسة وحملنا معنا الهدايا والحلويات وكنّا سعداء بهذه الرحلة الطويلة والتي من خلالها نمر على العديد من المدن ونتوقف أحيانا لغرض ما قد يكون بسبب الطعام أو قضاء حاجة أو تناول المثلجات وخاصة أنّ الحرارة كانت شديدة ومكيف السيّارة كان معطّلا .
وصلنا إلى بيت أهلي بعد عناء الطريق فاستقبلنا الجميع بالتقبيل والاحتضان ،و فرحة الاطفال بنعمان لا تضاهى وضحكت أمي قائلة : حتى نعمان جاء معكم .
فأجبتها أجل يا أماه وأنت تعرفين أنّني لا أستطيع تركه وحيدا بالبيت أو عند أحد الجيران. ولا تنسي أنّه أصبح فردا من العائلة.
بالفعل كانت رحلة ممتعة استطعت أن أغرف القليل من حنان أمي وطبعا لست أنانية حتى لا أفكر في زوجي وأولادي والذين خططوا لهذه الرحلة وكانت زيارة مقام الشهيد وحديقة التجارب وحديقة الحيوانات من ضمن برنامج الرحلة .
حان موعد العودة إلى البيت فنهضنا أيضا باكرا وشربنا قهوة الصباح بالفطير الذي حضّرته أمي .ثم ودّعنا الجميع وشكرناهم على الاستقبال الحار والمأكولات اللذيذة من يد ماما الرائعة.
وها نحن عائدين إلى بيتنا ونعمان معنا وحرارة الجوّ خانقة توقفنا من حين إلى آخر ونعمان كالعادة يبقى بالسيارة .
وصلنا إلى مدينة غرب الجزائر تعرف بالمحمدية واختار الجميع أن نتناول بعض المثلجات وهكذا قصدنا محلاّ عائليا أنيقا وناولنا النادل ورقة المني وبعد زمن عاد ليطلعه كلّ واحد على إختياره وبعد تناول تلك المثلجات والتي كانت محل نقاش أولادي ففيهم المؤيّد للذّتها وفيهم المعارض ثم قصدنا السيارة وبمجرد فتحها رأينا نعمان بين الموت والحياة يصارع لحظاته الاخيرة.
حمله زوجي إلى الخارج وهو يملأ فمه بالماء ويبلله به والكلّ يبكي خوفا على فقده .
ركبنا السيارة ونحن في حالة من الخوف والذعر.
أخذته بين ذراعي فتلفظ أنفاسه الاخيرة.
فاشتد صراخ وبكاء أولادي أما أنا و زوجي فبكينا بصمت طول الطريق ونحن نفكر أين ندفنه فاستقر قرار أولادي على دفنه تحت نافذة غرفة نومهم.
وهكذا فقدنا نعمان ببغاءنا الجميل الرائع الذي لم يمرّ على موته شهر واحد حتي اشتريت آخر.
ليلى بن صافي
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 09-19-2012 في 12:20 AM.