المعروف عن قوانين الطبيعة أنّها تتنكّر لكل عواصفها الساكنة حتى تتقمّص فيما بعد دور الزوابع الناسفة .. لا تعترف بشرعية هادئة .. لذلك جاء الشتاء بعد الخريف مباشرة .. و كأنّ الخريف يفرش بلاطه ليستقبل الشتاء .. فوق أرضية تصلح لأن تستقبل النكبات .. تماما كما هو العقل البشري الذي لا يمكنه أن يستوعب الجنون إلا بجرعات .. تزيد كلّما كان التركيز عميقا .. كلّما كان الشدّ قويا على الاعصاب .. كل ثانية تلي سابقتها تكون ألعن و أجدر .. كل يوم يلي سابقه يكون أقدر على التصويب و على ممارسة طقوس الانتساب لشمس غربت قبل ساعات حتى قبل أن تشرق و كأنّها ستشرق فوق الجنون .. الشتاء القاهر يختفي بعد ذلك خلف قطعة ربيعية مجحفة حتى لا تطاله لعنات جمهورية النكبات فيفقد " طاغية " لزمته طيلة عقود من الزمن هي العواصف الشديدة و الأمطار الغبيّة التي حادت عن مسلكها كي تدمّر و تشرّد الأكواخ الأثرية .. ! و الجماجم و الصور المنقوشة فوق الصخور لأنّها تشبهها في حقارة السكون .. الشتاء أذكى مما تظن الطبيعة لذلك جاء منهَكًا .. و منهِكًا !
حتى الموت في لغة الأرقام يرفض أن يقف عند رقم واحد .. دون أن تداهمه عظمة التملّك أكثر و أكثر .. كل ثورة عربية كانت تشتعل بشروط موثّقة .. و أرقام خيالية للموتى و طرق جريئة للنسف و الحرق .. تشتعل بميزة الاختلاف .. و كأنّها منافسة دولية شرعية تحكمها مواثيق دولية مصادق عليها من سماء مزيّفة .. مسلسل الموت منذ بداية الثورات العربية يأخذ شكل هرم سيُضَم يوما لقائمة عجائب الدنيا .. و سيُلحق حتما بأهرامات مصر الشهيرة نظرا للشكل الهرمي المقلوب .
أوضاع سوريا تفنّد مزاعم النهاية الوشيكة لعرض تلفزيوني دام أكثر من عمر الزمن .. ذلك الذي نسب نفسه لسنة مجنونة ... تبقى الرهانات و يبقى التكهّن ... إلى ما بعد شتاء جديد .. 05/03/2012 ..
كل شيء مسكون برهبة السكون حتى الحب .. لا شيء يتحمّل الإهانة حتى الكلمة .. تلك التي ترفض أن تموت ساكنة فوق سطر دون أن تتحرك بين الشفاه تغزّلا بجمالها ..
حرف العين أوّل حرف عزف سيمفونية الحب في حياتي بطرازه الكلاسيكي، بشقوق تستقبل عفوية الشتاء البارد فتتجمّد جذوره و تنكسر بسرعة عند أوّل إطلالة شمس دافئة .. و هو ما حدث فعلا .. و كأنّه تغيير موسمي لجلد أفعى ..
تلك الأنثى كانت أول تصميم واه في حياتي تحطّم عند أوّل انعطاف لي و القدر الذي علّمني شيئا فشيئا معاني الأنوثة الحقَّة بنقائها و ذكائها الموهوب ... بكيفية تصنع معها رجلا منفصلا عن قوانين جسده الرجعية .... أنوثة غير تلك التي ترسمها الظلال بانعراجات و تقوّسات و انحرافات خطيرة ..
تشتّتت شظايا الواجهة الزجاجية المحطّمة لأول حرف في حياتي و لم تخلّف غير بركة صديد علت ذاكرتي لتُذكّرني من مرحلة إلى أخرى، بأوّل أنثى نامت على كتفيها كلماتي و اكتشفت عمق موهبتي الشّعرية على يديها ..
أوّل فصل من مسرحيتي " تصاميم أنثى " انتهى بدرجة تصفيق عالية و أصوات ملتهبة اكتسحت المسرح .... غير أنّ التصفيق تزامن مع لحظة التحطّم الأسطوري لتصميمٍ وُلِدَ فاشلا ... نما وسط أحراش بدرجة رطوبة عالية أتلفته ..
.....
نلت شهادة البكالوريا بتفوّق كما كانت عادتي دائما، بميزة جديدة اكتشفتها و أنا أجتاز آخر جسر يصلني بالجامعة و هو جاذبيتي كرجل يسترعي انتباه الفاتنات أيضا و كأنّ الجامعة ستتلّقفني بتفوّق آخر يضاف لقائمة تفوّقاتي الدراسية .. و كأنّ الرّجولة نجمة عسكرية نُقِشت بحدّة سيف على كتفيَّ و شُفِّرت بطريقة تمنع أرباب المهمَّات الصعبة من اقتناص فرصة المداد بذخيرة الحروف و طلاسم حصار أنثى ..
سجلت في قسم آداب غير أنّي تراجعت و دخلت كلية الحقوق حتى أوثِّق ذاكرتي و أمنحها شرعية تغيير أغلفة المجلّدات البالية و حكايا السمر التي فقدت رونقها و بريقها على إثر إنارة فائقة جديدة .
العاصمة و الجامعة ... نقطتا ارتقاء رهيبتان في حياتي توَّشحت فيهما ثوب ذكريات كثير الدسم حتى أنّني أصبت على إثرهما بتخمة عاطفية ألزمتني سرير الوهم لسنوات طويلة .. ولدت لأتربَّى بين أحضان العاصمة و لأنهل من كهوف الحياة العصرية المختلفة تماما عن تلك التي عشتها بين فؤوس قريتي .. عرفت عالما مجنونا جديدا تفوق أرصدته الثقافية و الفنيّة الكم الهائل من المعلومات التي استقيته من الكتب التي تعلَّمت منذ صباي أن أراجعها لأُسَّمى مثقفا و لأضاف لنخبة المثقفين القرويين المشهود لهم بالتفوّق، حتى أنّ معظمهم مع الوقت تقلَّد وظائف سياسية هامة في البلاد .. و مقاعد أدبية مرموقة ضمن رفوف الكتب التي قد تصيبك بأزمة ربو إن حاولت الدّنو منها و كأنّها تحوي مع كمية الغبار المزروعة جمرة خبيثة تصلح لتُقعد الرّئتين عن التنفّس أبد الدهر .. و لتضيف مسحة من تحضر ..
و كأنّ الثقافة في قريتي تلك تقاس بكم الكتب المقتناة و لا يهم بعد ذلك كم سطر حضي بزيارة جادة .. طبعا كان ذلك في زمني القديم ..
قبل أن تشرّد الأنترنيت و أنواع الهواتف المحمولة القيم و المبادئ المتراكمة على جدار مكتبة متهرئ ...آيل للانهيار و قد لا يخلّف ضحايا لأنّ رواده موزعين على مقاهي الأنترنيت محاولة منهم لاصطياد المعلومة بوسائل أكثر سرعة و ترفيه و انزواء عاطفي .... !!!!!
تلك الحقبة التاريخية التي تزامنت و أوّل مراحل شبابي المنطلق، خلَّفت على جسدي و على فكري و على حقول ذاكرتي ندوبا صَعُب على تلك المرأة بشالها السحري أن تمحيها و لو داعبتني بقبعة التخفّي كما راودتني الفكرة حين كنت طفلا ..
و الواقع أن عمر الطفولة الأوّل لم يكن يَبْعُدني بكثير لولا الكدمات التي تركتها على ذاكرتي رقصات الحياة العصرية .. و خريف تلك المرأة الماطر في جلّ مواقيت الغروب ..
حروق في الذاكرة من الدرجة الثالثة ... و خربشات طفولية و تشوُّهات خُلُقية على مستوى الجزء من الجمجمة الذي خزنت فيه سنوات طيشي تصاميمها السرّية بين متاهاته الغامضة ..
.................................................
جعلتني تلك المرأة أفكّ الحصار عن بقايا التصاميم النسائية بطريقة نسفت معها كلّ القطع الأثرية لنساء من عهد الحب الأوّل و لطّخت اللّوحات الممتدّة على الجدار الواقي للذاكرة و المرسومة بقلم فحم صنعته أوراق لَعِبي المحترقة ..
برغم سلسلة الأعاصير التي ضربت عمق تقاليدي و صبغت بألوان جريئة شريط ماض غلب عليه الأبيض و الأسود،كنت رجلا بمبادئ، بأخلاقيات أرغمتني على امتطاء جسر الأنوثة دون أن أمسّ قداستها أو أحاول العبث بخيوطها المعلَّقة على جسر هاوٍ للارتقاء الكاذب . الهوّة عميقة جدا و التيار ضد كل انحناءة سُكر قد تجعل الجسر يترنّح ليلقي ما في جعبته من سُكارى خائنين لعهدة العقل البشري المكتمل ..
لم أسكر و لم أترنّح يوما فوق قارعة طريق موحل ... لأنّي كنت أخشى المطر و ميوله نحو توريث الأرض المقدّسة انفعالاته و جنونه في جرف الأشياء المتلفة الجذور ... كان الوحل مثالا حيا لزوبعة تبناّها المطر أو طوفان قاتل يدمّر كلّ إطلالة فضول من فوق أبنية شاهقة ..
و كنت أخاف الأماكن المرتفعة و قصاصات المصاعد غير مأمونة المرايا .. حتى شهقات الحنين المزَّيف لها مراياها الفاضحة .. حتى مرآة نفسي في زمني الجديد كانت مخادعة قد تظهرني في قمة الأناقة و التبجّح، لتواري خلف ربطة عنقي المتزاحمة العهود النسائية رداءة النوعية .. تلك الملابس الفاخرة و العطور التي تنطق شعرا ، تشغلني عن أبخرة الاحتراق التي تتصاعد شيئا فشيئا من روحي المعذّبة ... و كأنّي أغسل عفني الداخلي بمسك تاريخي أو عطر مستورد كامل الرجولة الغربية .. رجولتي الشرقية تركتها تتنازع أصولها تحت أشجار الزيتون العتيقة و تنحر فروعها بشفرة حلاقة مختفية خلف قماش عذب المشاعر .. تلك الشفرة التي حازت ثقتي يوم قررت أن أقطع بها قائمة من الشرايين الجافة محاولة لانتحار مجازي ..
حياة ........
أنا هنا وهناك وفي كل جزء من أجزاء روايتك
أقرأ باستمتاع وتؤدة تشدني اللغة والوعي المدرك لفن السرد ومدى تأثيره على ذهن ووجدان المتلقي
رائعة أنت ..
سأتابع بإخلاص حتى نبلغ معا النهاية
محبتي
حياة ........
أنا هنا وهناك وفي كل جزء من أجزاء روايتك
أقرأ باستمتاع وتؤدة تشدني اللغة والوعي المدرك لفن السرد ومدى تأثيره على ذهن ووجدان المتلقي
رائعة أنت ..
سأتابع بإخلاص حتى نبلغ معا النهاية
محبتي
............
قمة الفرح أن أراك تبصمين بروحك المعطاءة هنا و في كلّ مكان ..
سيدتي الفاضلة نبيلة أنت .. و كريمة ..
سرني تواجدك كما توقيعك المميّز دوما ..
كل المودة و العرفان و التقدير ..
على فكرة صديقتي حياة الغالية
الجنون يحتاج للكثير من العقل
تحياتي وفقك الله
.............
ربما لذلك سمي بالجنون .. كدلالة على استنفاذ العقل لكلّ طاقات الجمود ..
هو تشفير للعقل غيرالمحدود ..
***
سرّني تواجدك صديقي الكريم .. كريم
و لتواجد عقلك الراجح ..
كلّ التقدير ..