في ظـلال القرآن... جرعة إيمانية يومية (أو شبه يومية) نتناول فيها آية من كتاب الله نتفيأ ظلالها الوارفة ونستنير بهديها المنير ونسير على صراطها القويم ونتفكر في معانيها السامية ومضامينها الإيمانية... نقرأ كلام المفسرين حولها لنفهم مراد الله منها فليس كمثل كلام كلام وليس بعد بيانه بيان.
على بركة الله نبدأ
... والله ولي التوفيق ......
يقول الله تعالى " وقال الشيطان لماقضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وماكان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلاتلوموني ولوموا أنفسكم، ماأنا بمصرخكم وماأنتم بمصرخي، إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذابٌ أليم".
هذه الآية تسمى خطبة إبليس ذكر الحسن كما في القرطبي: أن إبليس يقف يوم القيامة خطيباً في جهنم على منبر من نار يسمعه الخلائق جميعاً. وقيل أنه يخطب خطبته هذه بعدما يسمع أهل النار يلومونه ويقرعونه على أن أغواهم حتى دخلوا النار. فيقول لهم: إن الله وعدكم وعد الحق أي وعدكم وعداً حقاً بإن يثيب المطيع ويعاقب العاصي فوفى لكم وعده، ووعدتكم فأخلفتكم أي وعدتكم ألا بعث ولاثواب ولاعقاب فكذبتكم وأخلفتكم الوعد، وماكان لي عليكم من سلطان أي لم يكن لي قدرة وتسلط عليكم إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي أي بالوسوسة والتزيين فاستجبتم لي باختياركم، فلاتلوموني ولوموا أنفسكم أي لاترجعوا باللوم علي اليوم ولكن لوموا أنفسكم فالذنب ذنبكم ، ماأنا بمصرخكم وماأنتم بمصرخي أي ماأنا بمغيثكم ولاأنتم بمغيثي من عذاب الله، إني كفرت بماأشركتمون من قبل أي كفرت بإشراككم لي مع الله في الطاعة، إن الظالمين لهم عذاب أليم أي أن المشركين لهم عذاب مؤلم. هكذا يكشف إبليس عن عداوته لإبن آدم ويعترف بخذلانه له ليزيده حسرة وندماً.
عبادالله إن ربنا تبارك وتعالى حذرنا من هذا العدو الغرور الخداع وآيات الكتاب المبين مليئة بالآيات التي تحذرنا من الشيطان ومن وسوسته وتزيينه للفواحش والمعاصي ومع ذلك ماأكثر ما يخدعنا وماأكثر ما ننجرف في طريقه هذه جملة من الآيات التي تحذرنا من إبليس يقول الله تعالى :" إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير".... "ولايصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين "...." ولاتتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" ... "يعدهم ويمنيهم ومايعدهم الشيطان إلا غرورا" ... "يابني آدم لايفتتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ..." كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير" ... "استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان إلا إن حزب الشيطان هم الخاسرون" .
وغيرها كثير. فهلا اتعظنا عباد الله بواعظ القرآن ونذير الرحمن، إنه كلام علام الغيوب، الله رب العالمين، وليس على كلام الله مزيد بيان.
اللهم إنا نعوذ بك أن نظل أو نُظل أو نزل أو نُزل، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن همزات الشيطان. اللهم اعصمنا من الشيطان ومن وسوسته وهمزه ولمزه.
كان هذا هو يوم الأحزاب ، يوم أن تحزبت أمم الكفر من المشركين واليهود والوثنيين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام فتنادوا من كل حدب وصوب ، فاجتمع كفار مكة مع غطفان وبني قريضة وأوباش العرب على حرب المسلمين وجاؤا بجيوشهم الجرارة وبعددهم وعتادهم وكانوا زهاء إثني عشر ألفاً جاؤا ليقضوا على الإسلام ويمحوه من الوجود ، وربما كانوا يخططون لفرض نظامٍ عالمي جديد ! وأحاطوا بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم وضيقوا عليهم الخناق في المدينة ودب الرعب والذعر في الناس وظن كثيرون أن الهلاك واقع لامحالة وأنه لاقبل لأحد من المسلمين بهذه الأعداد ، ولكن المؤمنين كانوا واثقين من نصر الله فكان النصر العظيم من عند الله ، نصر جنده بمعجزة من عنده لم تصمد لها تلك الألوف المؤلفة ولم تستطع الوقوف في وجهها، فولت الأدبار وكان النصر للمؤمنين دون إراقة دماء ولا فقد أرواح ، فقد أرسل الله تعالى ريحا من عنده اقتلعت بيوتهم وكفأت قدورهم وأرسل عليهم الملائكة فزلزلتهم وألقت الرعب في قلوبهم ( ومايعلم جنود ربك إلا هو )
.
سبحان الله ! هكذا نصر الله يأتي في لحظة العسر ولحظة الشدة والضيق وبأهون الأسباب بل بما لايخطر على بال أحد . ولكن أين الإيمان ياهل ترى هل تستطيع أكبر القوى وأعظم الجيوش والدول بما أوتيت من تكنولوجيا وأسلحة نووية وجرثومية وعابرات للقارات وأقمار تجسس ، هل تستطيع أن تثبت على سبيل المثال أما طوفان يرسله الله عليهم فيغرقهم هم وأسلحتهم ومعداتهم ؟! أو ريحا عاتية ذات أعاصير فتقتلعهم وتهلكهم ؟ أو حشرة صغيرة تفتك بهم فتلقيهم صرعى ؟!! إن الله قوي عزيز لايعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .
ثم عد إلى الآيات لترى التصوير القرآني البليغ في وصف حالة الخوف والهلع التي بلغت بالمسلمين في ذلك اليوم العصيب حينما تكالبت قوى الشر وتحالفت على حرب المسلمين وهم قلة لايتجاوز عددهم ثلاثة آلاف مجاهد أمام إثني عشر مقاتل جاؤا من كل حدب وصوب ( وإذ زاغت الأبصار ) أي مالت حيرةً وشخوصاً لشدة الهول والرعب (وبلغت القلوب الحناجر) أي زالت عن أماكنها من الصدور حتى كادت تخرج من الحناجر ( وتظنون بالله الظنونا) أي وكنتم في تلك الحالة الشديدة تظنون الظنون المختلفة وهي مجرد خواطر وإلا فهم مؤمنون بوعد الله ، ولكن المنافقين كانوا يظنون ظن السوء ويقولون ماوعدنا الله ورسوله إلا غرورا. (هنالك ابتلي المؤمنون) أي امتحنوا واختبروا ليتميز الصادق من المنافق ( وزلزلوا زلزالاً شديدا) أي وحركوا تحريكا شديداً حتى كأن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم ، ولكنهم ثبتوا وسلموا أمرهم لله وقدموا أرواحهم فداءً لدين الله ، فلما علم الله صدق إيمانهم نصرهم بنصر من عنده (وماالنصر إلا من عند الله ) .وإن ينصركم الله فلاغالب له.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمن على المسلمين بنصر من عنده وأن يثبت أقدام المجاهدين في سبيله وأن ينصر الفئة القليلة على الطغمة الكافرة وأن يرد كيد الظالمين في نحورهم وأن يجعل الدائرة عليهم وأن يجعل بأسهم بينهم شديد وأن يرينا فيهم عجائب قدرته.
اللهم يامنزل السحاب وياهازم الأحزاب اهزم أحزاب الكفر، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم ، اللهم إنهم لايعجزونك فاهزمهم شر هزيمة ياعزيز ياقوي ، اللهم لاترفع لهم راية واجعلهم لمن خلفهم آية ، اللهم أعلي راية الجهاد وأدحض أهل الزيغ والفساد ، اللهم امنن علينا بنصر تقر له عيوننا وتشف به صدور قوم مؤمنين إنك سميع مجيب وبالإجابة جدير. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإلى اللقاء في وقفة قادمةباذن الله مع آية اخرى من كتابه العزيز