ساق للبيع
شتى أنواع البضائع تتكدس هنا ،كل ما خطر في بالك ولم يخطر،، سوق عجيبة زاخرة بما تشاء ،هذا فرع للبضائع الأجنبية المستوردة، حقائب وأحذية وعطور فواحة ، وأدوات زينة قادرة على إعادة الشباب الهارب ، ... فرع آخر للملابس الجميلة الأنيقة لربات الحسن والجمال والدلال ، فرع ثالث للأثاث المنزلي ، أنت لم تعتادي ارتياد هذه الأسواق ، فما شأنك بها ؟؟ روادها لا يثيرون فيك الاهتمام ، وراتبك الهزيل مدة خمسة أعوام كاملة يكاد لا يسد حاجة واحدة من هذا السوق العجيب ،، فلماذا تتعبين نفسك بهذه الأمور ؟ نأيت بعقلك عنها وتجاوزتها ، لم تعد تسبب لك ألما ، ولم تكترثي يوما بمثل هذه التطلعات.
وصفوا لك السوق بدقة ، أخبروك أنك ستجدين ضالتك هنا ، وجميع ما تحلمين به ، وما لا تجرؤين على الاقتراب منه حتى بالأحلام ........ الأعضاء تباع هنا ، ولست بحاجة إلى شراء ...... لديك كل شيء ، أنت كاملة في جميع المقاييس كما زعم الكثيرون ، كنت جميلة يوما ، وددت العشق والهيام كأبناء جيلك وناضلت من أجل تحقيق ما ترتئين وحاولت أن تحققي ما تريدين . جئت من مكان ناء ، وأنت تطمحين أن تنجحي في مسعاك . قطعت المسافات الطويلة ، تحملين شيئا عزيزا عليك ، أثيرا على قلبك . ترددت كثيرا في القدوم . فكرت طويلا ، كيف يمكنك التخلي عن شيء غال قد عشقته دوما ، ولكن لابد من التضحية ، للضرورات أحكام كما يقولون ، أخبرك مرارا أنه لم يعد بحاجة إلى هذا الشيء ، وحاولت إقناعه بأن الأمور الأساسية في الحياة ليس من المناسب الاستغناء عنها ، أخبرته أنكما لا يمكن أن تتخليا عن الهواء أو ضوء الشمس أو الدفء ، ولا يمكن أن تعيشا بعيدا عن الحب. حاولت أن تقنعيه أنه بمقدوركما أن تعيشا أياما بلا طعام أو شراب ،،،، وباستطاعتكما أن تحافظا على حياتكما موفوري الصحة إذا عشتما عشرة أعوام بدون أن تشتريا ملابس جديدة. اقتنع بوجهة نظرك وأحجم عن بيع أشيائه أول الأمر ، لكن المرض داهمه بإصرار منقطع النظير ، فكر كثيرا وشاركته أنت بالتفكير. سوف تتنازلان عن بعض الأشياء التي لم تعد ضرورية هذه الأيام . كنتما سعيدين متآزرين وما زلتما على تلك الحال ، والأحوال تتبدل ولا تبقى على منوالها المعهود ، فقد عمله وبقيت محافظة على عملك ، بترت ساقه في حرب مجنونة ، عبثية لا طائل من ورائها ، أبقي ساقا واحدة ، أحب الرسم منذ الطفولة وعاد إليه بعد أن ألم به بتر الساق ، أضنانا الحادث واقض مضجعنا ، و قررنا أن البكاء والنحيب لن يعيد الساق المبتورة فكففنا دموعنا ، إيراده من عمله ذاك مع راتبك يكفي للقيام بتلبية أعباء المنزل ومتطلبات الحياة المتجددة باستمرار صحته ساءت. نصحه الطبيب أن يجري بعض الفحوصات ومد خولكما يكاد لا يسد حاجاتكما الأساسية ، اقترح أن يبيع ساقه السليمة ليسدد أجور الفحوص الطبية ، لم توافقيه في مستهل الأمر ، ديونكما تتناسل باطراد ، أفزعك أن تجدي من وقف بجانبكما يعين في أوقات الشدة يتضاءل عددهم شيئا فشيئا . الناس كلهم يحيون حالتك ، جميعهم ولو فقراء ، يكافحون من أجل القيام بودهم ، وافقته على مضض ، وحملت أمرك إلى هذا السوق. أعضاء مختلفة ، عيون ، آذان ، قلوب ، أذرع ، سيقان ، أمعاء ، أجهزة بكاملها تباع هنا . لمحت ساقا لها عين صفات ساقك التي تحملين
_ أخي ، لطفا ، بكم تبيعون هذه الساق ؟
_ ثلاثة آلاف دولار
هللت للجواب، ثمن البيع ثلاثة آلاف ، وثمن الشراء ألفان حتما وأنت الرابحة
- بكم تشتري ساقا مثل هذه ؟
- -الساق التي تبيعين ، ما نوعيتها ؟
يرعبك الجواب ، فماذا يعني ؟ تقمعين مخاوفك وتعاودين الحديث
- الساق التي أرغب في بيعها تشبه هذه تماما
- أ ساق رجل هي أم ساق لإمرأة ؟
- ساق رجل
- نحن نفضل سيقان النساء ، اذهبي وهاتي لي ساق امرأة وسأعطيك ما تشائين
أي وقاحة هذه ؟ ما ذا يعني هذا الرجل المتصابي ؟
- لكن الساق المعروضة أمامي رجالية
- اسمعيني أيتها المرأة ، ساق رجل غني لا تشبه ساقا لفقير عضه الجوع بنابه ونخر عظامه وعانى من فقر الدم ، ولين العظام ، ساق شجاعة تختلف عن ساق جبانة ، السيقان أنواع الساق الوسيمة أو القبيحة ، الساق الرقيقة أو السمينة
- الساق التي احملها لرجل حبيب وسيم شجاع حنون
- أين يقطن ؟
- وما شأن هذا بحديثنا ؟
- -الساق في المناطق الغنية أفضل مما في الفقيرة ، وأنت امرأة عانت كثيرا وحبيبك الذي تبيعين ساقه نخرته آلام الضعف والهزال . الفحوصات اللازمة تكلف ألفي دولار ، هذا الرجل لن تتمكن من الاتفاق معه ، هل تجرب بائعا آخر . يقرأ البائع أفكارها :
_ أنا البائع الوحيد للسيقان هنا
- ومن أين تأتي بها ؟
- - من جهات متعددة ، الساق التي أعجبتك لرجل منعم ، لم تنخر عظامه الأحزان ولم تهزمه الهموم ، رجل عاقل ، حكيم ، يدرك أنه لا جدوى من مقارعة الرياح ، كم عمرك يا امرأة ؟
-أربعون عاما
- يبدو أنك تجاوزت الخمسين ، لنعد لحديثنا ، أعطيني ساقك بخمسمائة دولار
ماذا تفعل بهذا المبلغ الضئيل ؟ هي بحاجة إلى ألفي دولار ، فهل تستدين وديونها تتراكم فمن يمكنه الوفاء بها ؟
- اسمعيني يا صديقتي ، هناك بائع للسيقان الرخيصة ، بعيد من هنا ، اذهبي إليه وحاولي إقناعه وان فشلت عودي
- -هل استقل الحافلة أم استخدم قدمي ؟
- - ما نوعية قدميك ؟ هيا أسرعي ، أوشك الوقت على الإغلاق
تسيرين خطوات ، الوقت ليس في صالحك ، تعودين إلى الرجل
- أيمكن أن ترفع الثمن ؟
- - سوف اخفضه ، قدمك ليست طازجة ، سأعطيك مائتي دولار ، ولكن انتظري ، سأرى الساق أولا
يفتح الرجل اللفافة ، يمسك الساق ، تظهر على محياه علامات الاشمئزاز ، يناولك الساق مسرعا
- خذي ، امسكي ، ساقك قد تفسخ ، وسوف تهاجمني الأمراض ، اد فعي لي تعويضا ، سوف أجري الفحوصات الطبية للاطمئنان علي صحتي انتم الملوثون ابتعدوا عن الأصحاء وليأخذ كم الجحيم.
فكرة طريفة بها الكثير من االتجارب التي يمر بها الإنسان في الحياة.
حب و صمود و تضحية ثم جشع و استغلال...
قرأت ما كتبت باهتمام أختي صبيحه.
لك مني أعطر التحايا و أرقها.
القديرة صبيحة شبر
وقفت طويلا أمام نصك هذا
وإني والله لا أجد ما أقوله هنا من شدة التأثر
فأي أسلوب هذا الذي جعلنا جزءً لا يتجزأ عن هذا المشهد القاس
تصفيق حاد لإبداعك الراقي
أثبت النص بكل محبة
تحياتي وتقديري
نصّ قويّ يضجّ بآفات العنصريّة والتّفرقة والطّبقيّة....
فالأعضاء المبتورةالمعروضة للبيع لم تتطهّر من ارث أصحابها فظلّت منتمية اليهم تجري في أوردتها دماؤهم ...
ولابدّ من موازنة ومعادلة وانتماء ليستقيم الزّرع لمن يبحث عن زرع لعضو مفقود مبتور .....
لابدّ يا صبيحة من تشابه وتطابق لينجح الزّرع .....
ولابدّ من تصنيف وتوصيف يضع الخامات في الخانات المناسبة لها حتى لا يختلط دم بدم وعرق بعرق وطبقة بطبقة وفقر بغنىوأبيض بأسود وميسور بمعدم وذي بذخ بمعدم....
كم أنت رائعة يا صبيحة في هذه الدلالات والمقاصد....
وكم القلم عندك قادر على أن يرسم المشهد بهذه الحرفيّة والإقتدار.....
النّاس سوق يا صديقتي سوق وبيع وشراء ومقايضة .....
سيّدتي الفاضلة
صنعت الدّهشة في هذا النّص المميّز الجبّار وكم راعني أن أمرّ عليه متأخرة .....
تقبلي ذهولي في هذا السّوق المنتصب في نصّك ....فهو سوق حريّ بالإرتياد لرمزيّة بضاعاته..