بعد محاولات مرهقة وصراع مع الغطاء القطني الثقيل الدافئ نهض من نومه متكاسلا ًبعينين متورمتين يجر أتعاب ليلة ٍحمراء فرّق بعض ذيولها الأرق حدّق في الغرفة التي اعتاد ان يقفلها عليه عند نومه بعدة اتجاهات ، سمع صوتا ً هادئا ًينبعث قريبا ً من التيبل لامب مناديا ً ـ اعتقد انك تبحث عني ـ تحفزت ْكل حواسه وانصهر ما يحمل من تثاقل وكسل ، بحث عن مصدر الصوت الذي داهمه مرة أخرى ـ مابكَ مرعوبا ً ؟ الست تبحث عني أم عن شيء آخر ؟ نظر الى التيبل لامب وقد تيبست شفتاه حين فتحت ْ نظارته الطبية ذراعيها ونهضت بكل احترام وتمغطت كمن ينهض توا ً من النوم ـ مابك مندهشا ً ؟ منذ عشرين عام نحن أصدقاء لم تفارقني الا َعند النوم ، تحملني على انفك صيف شتاء ، ليل نهار ، أبصر لك طريقك وأوضح لك الأشياء لأبرهن لك اني لست مشلولة لكن لا مكان لي غير أعلى الأنوف ، عندما عرفت انك تبحث عني قلت لك ها أنا ـ مسكها بيدين مرتعشتين وقبل ان يصلها الى انفه قالت له ـ لا تخف ـ اطمئن ـ لبس نظارته ووضع منشفة صغيرة على كتفه ، فتح باب غرفته واتجه صوب الحمام في الطابق العلوي الذي يشغله لوحده ، فتح باب الحمام وجد المصباح متوهجا ً بالرغم من تأكده قد أطفأه ليلا ً ، نظر الى نفسه في المرآة فأجابته ـ صباح النور ـ اهتزت قطعة الصابون من الضحك واستقرت في باطن كفه ملتصقة أيّما التصاق ، فتح صنبور الماء ،غسل وجهه ، مسحه في المنشفة وهو يتمتم مرتبكا ً ـ الحمد لله لم يتدخل الماء في الموضوع ـ عاد الى غرفته ، ارتدى ملابسه على عجل ، قبل ان يضع يده في الكم الثاني من سترته شاهد أرضا ً ربطة العنق تتلوى كالأفعى محاولة التسلق الى رقبته عن طريق ساقيه المرتجفتين قائلة ـ لاتنسني فأني جد ملائمة لك هذا اليوم ـ استسلم للأمر الواقع وسحبها ، طوق بها رقبته ، خرج يصرخ بأعلى صوته ..يا..ها ..هو .. وهو ينزل السلم بخطوات متباعدة ، اعترضه أهله الصاعدون اليه من الطابق الأرضي ، مابك ؟ مابك ؟ .. لاشيء ، متعب جدا ً ، فتشوا الطابق العلوي ، غرفتي الحمام ، التيبل لامب ، هذا الغضب الذي أضعه على عيني ، بعد حملة تفتيشية مركزة ، كل الأشياء طبيعية ، الغرفة مرتبة بشكل مدهش ، الحمام يلمع من النظافة ، أدهشهم اعتناءه بشقته هذا اليوم ، باركوا هذا الاهتمام واستغربوا من صراخه وارتباكه ـ شقتي مرتبة ؟ تلمع ؟ تركت الفراش مبعثر ، وخلعت باب الحمام وكسرت المرآة .. مرتبة ؟!!
خرج من منزله وسط دهشة الأهل ، جلس على مقعد فارغ في منطقة وقوف الباص الذي يقله الى الدائرة ، نظر الى ساعته وجدها متوقفة عند الخامسة ، الموظفون والطلاب يشغلون الرصيف وزحفوا على حافات الشوارع بانتظار الباص ، الشمس بدأت ترتفع وتظهر فوق العمارات والأبنية العالية ، نظر الى ساعته مرة أخرى شاهد العقارب تدور بسرعة جنونية حتى لا يكاد يرها الى ان توقفت عند الساعة الثامنة والربع وهو الوقت الصحيح ، صرخ بصوت عالي ..ياألهي ..ياألهي .. خلع ساعته ورماها بقوة باتجاه الشارع العام ، شاهدها التصقت بمعصم ابيض كالثلج لفتاة لم تبعد عنه أكثر من متر واحد ـ شكرا ً أستاذ ، هدية لطيفة ، قالت الفتاة ، خلع حذائه وركض مسرعا ًوسط الشارع المزدحم بالسيارات فأربك حركة السير وضجّت منبهات السيارات تملأ الفضاء وهو يخلع ملابسه القطعة تلو الأخرى ، عقَبه رجال المرور بدراجاتهم البخارية السريعة البيضاء ، اقتادوه معهم الى أقرب مركز شرطة بملابسه الداخلية فقط ، خجل من نفسه كثيرا ً وهو يدخل مركز الشرطة عاريا ً ، ذهب الى مغاسل المركز ، غسل وجهه ، نظر في المرآة ، بصق عليها أو على نفسه ، لم ترد عليه المرآة بشيء ، هدأ من روعه قليلا ً ، سحب أنفاسه ، بدأ يركز على الأشياء التي تحيطه ، قاده أحد أفراد الشرطة الى غرفة الانتظار ، استغرب حين لم يسأله أحد من الموقوفين لماذا جاءهم عاريا ً ، طلب من الشرطي بتوسل ان يقابل ضابط الشرطة لدقائق قليلة ، لم يمانع الشرطي ، دخل على الضابط مطأطئ الرأس :
ـ سيدي ، أنه من المخجل ا، أكون عاريا ً بهذا الشكل أمام الناس أرجوك أني أتمزق ، حاول أن تساعدني سيدي وترسل الى أهلي بخبر أن يبعثوا لي ملابس .
ـماحاجتك بالملابس ياأخي ، لاشيء يستدعي بقاؤك وستذهب حيث تشاء بعد دقائق .
ـ اخرج بهذه الشاكلة سيدي ؟
ـ أي شاكلة ؟
نظر الى نفسه كان بنطلونه مكويا ً نظيفا ً ، سترته أنيقة ، ربطة عنقه ملائمة جدا ، تلمس نفسه ، ملابسه هي نفسها التي خرج بها من منزله ، نظر الى يده وجد ساعته موجودة وهي تشير الى منتصف النهار ، دس ً يده في جيبه ، أخرج حافظة نقوده وهويته الشخصية لم يفقد شيء منها ، أراد أن يشرح لضابط الشرطة بعض الالتباس ، رفع رأسه الى الأعلى وجد نفسه في منتصف الشارع لم يبعد عن منزله إلا ّ أمتارا ً قليلة .......
الأستاذة الكاتبة المبدعة رائدة
تقديري واعتزازي لمرورك البهي .. ولقراءتك مانكتب
هذه الحياة التي نحياها سلبا أو أيجابا ماهي الا تدوين وقائع
لذلك نترك مدوناتنا للمارة
اكرر شكري وتقديري
هي ضغوطات الحياة
وما تفرزه من تعييرات على النفس البشرية احيانا ليعيش الانسان هذه الحالة من الفوضى والأرتباك
شدني النص لجماليته وطريفة سرده
دمت بخير
تحياتي
القاصة المبدعة الاستاذة سولاف هلال
تحيتي لك ولابداعك واشكر حضورك الدائم والمهم والتعليق الجميل
لك بالغ مودتي وتقديري وامتناني.. التنوع في طرق كتابة القصة
مطلوب والخوض في المدارس الادبية المعاصرة غير التقليدية يوصل الكتابة الى
ابعد ..اكرر شكري لك
من بين التحف الفنية التي اعتادت النبع عرضها الى قراءها الكرام .
قرات رائعة البيضاني غير المخلة بالشرف . واعتدت في نهاية كل قراءة
للوحة يخطها هذا الرجل المدمن على تناول الافكار المبدعة . اقول له لا شفاك
الله من هذا الجنون الجميل يا بيضاني ..............