لست أدري.. لماذا أتضاءل إزاءها إلى هذا الحد ؟ لماذا أفقد هيبتي وأتحول إلى طفل عابث ماإن تأزف ساعة حسابه حتى يلوذ بحضن أمه هربا من العقاب ؟
أشعر أحيانا أنني لم أغادر طفولتي ، رغم أنني أوشكت على الستين ، ولماذا أغادرها،
مادام هنالك ذراعان مفتوحتان وحضن يأويني ؟
كثيرا ما أجدني مهزوما .. مخذولا ، إذا ما اتخذتْ موقفا محايدا ، تاركة إياي في مجابهة أي مصير ، حتى لو كان هذا المصير هو مواجهة عنيفة مع زوجتي .
ما من أحد يعرفني كما تعرفني هي ، بمن فيهم زوجتي ، لذلك أشعر بأنني عار .. عار تماما أمامها ، إذا ما ارتكبت فعلا أو حماقة ما .
حاولت مرارا أن أبني لنفسي كيانا شامخا،عوضا عن ذلك الكيان المتهالك الذي يهوي حالما أفكر في توجيه تحذير إليها أو لوم ، فتمحقني نظراتها حتى أصير محض لاشىء.
ليس ثمة مايجعلني أقيم معادلة تحدد علاقتي بها ، فإحساسي بأمومتها يطغى على كل ماهو دونه ، نادرا ما أشعر أنني متذبذب ، لكن سرعان مايتلاشى هذا الشعور إزاء نظرة رؤوم من عينيها النديتين ، وكثيرا ما أشعر بالزهو والفخر حينما تقول :
ـــ تعرف ياولد ياحسين ... أنت أجمل وأغلى ماخرجت به من هذه الدنيا .
لكنني وبرغم سعادتي ، أحتج وأردد في قرارة نفسي :
ـــ لكنني لست ابنها.
ثم أعود لأقول:
ـــ إذا لم أكن كذلك ، فلماذا هذا الخنوع الذي أشعر به حيالها ؟
الصلة بين الأشخاص وما يترتب عليها من سلوك ، تقتضيه عوامل ثابتة ومحددة ، أما هذا الشعور المزدوج الذي يتعدى حدود المألوف ، فإنني أقف أمامه عاجزا ، فثمة خيط لامحسوس يخترقني وإياها ، لايدركه أحد سوانا .
أضمحل أحيانا وأتلاشى إزاء نظرات الدهشة التي ألمحها في عيون ولدي ، فالانقسام الذاتي والتناقض المحسوس ، يضعانني موضع تحليل ودراسة لكل منهما ، وغالبا ما أجدني متحفزا للهرب بينما يتأهبان للإنقضاض علي بأسئلتهما :
ـــ لماذا هذه التفرقة .. ألسنا جميعا أولادك ؟! تعاملنا بحزم وصرامة ، وتقسو علينا أحيانا ، بينما تلين لها وترضخ ، ولكأنك ابنها وليست هي !!!
وحيث لاسبيل إلا الصمت .. أغيب عائدا إلى سنوات خلت .. أطرق أبوابها فتفتح ولا يدخلها أحد سواي .
كنت مصابا بعرق النسا ، وكان الألم يشدني إلى المقعد .. فاجأ زوجتي ذات ليلة المخاض فحملها جيراننا الطيبون إلى المستشفى دوني .
شعرت بالعجز ، لكن فرحتي باستقبال مولودي الأول خففت من وطأة ذلك الشعور المضني .. ألقيت بجسدي على الأرض .. جرجرته بعناء .. سحبت جهاز الهاتف .. وضعته في متناول يدي ، ثم رحت أنتظر البشرى .
لست أدري لماذا ، وفي تلك اللحظة بالتحديد ، امتدت يدي لتطلب رقم والدتي في مصر،
كنت أعمل حينها في إحدى دول الخليج .
لم تدهشني كلماتها ، لأنني لم أدرك معناها إلا بعد حين .
ـــ ولدي الحبيب .. أعرف أنك حرمت مني كثيرا ، وبعدت عني كثيرا ، من أجل هذا سأكون معك بعد ساعات من الآن ، لأني سوف أولد من جديد .. سوف تضع زوجتك مولودة أنثى ، وسيغادرك الألم حالما تولد .
لم أفكر بما قالته والدتي ،لأن قلقي على زوجتي طغى على أي تفكير .
عند الفجر أخبرتني زوجتي بأنها وضعت مولودتها بسلام ، وأنها بحاجة إلي ، ثم قالت بإشفاق :
ـــ أعرف أن الحركة عسيرة عليك ، لكن لابد من حضورك .
ـــ لاتحملي هما .. لقد تحركت .
زايلني الألم تماما منذ تلك الليلة ، ولم يعاودني إلى الآن ، لقد صدق حدس والدتي .
عرفت فيما بعد أن أمي غادرت الحياة بعد أن وضعت سماعة التليفون .
إستقبلت المولودة بفرح بالغ ، ثم استقبلت مولودا آخر بعد سنتين ، وما أن أنهت هويدا عامها الرابع ، وأتم محمود عامه الثاني ، حتى قررت العودة إلى مصر ، لم يكن نزار قد ولد بعد .
أقمنا في بيت العائلة ، وهويدا لاتنفك تردد ، إن هذا هو بيتها الحقيقي ، وأنها لن تغادره بعد الآن ، لأنها لاتجد الراحة في مكان سواه .
دعاني أخي الذي يقيم في الفيوم لزيارة قبر أمي ، ذهبنا جميعا ، فحدث ما لم أتوقعه على الإطلاق .
كان علينا أن نجتاز طرقا متعرجة للوصول إلى القبر ، وقفنا ننتظر أخي فهو دليلنا إليه وفيما كنا ننتظر ، إنفلتت هويدا من يدي ، ثم راحت تجري في اتجاه ما .. لحقنا بها لاهثين ، فوجدناها تقف عند قبر أمي بالتحديد ، كيف عرفت المكان ؟ لست أدري .
أخبرني أخي أنه ما استطاع الوصول يوما إلى القبر إلا بعد أن يلف ويدور عدة دورات لأنه في كل مرة يضل الطريق إليه .
وتمر الأيام والسنون ، وأكتشف يوما بعد يوم ، أن الذي تعرفه هويدا عني وعن عائلتي يفوق ما أعرفه أنا .
لاأذكر أنها نادتني بكلمة " بابا " إلا في السنوات الأولى من عمرها .
أحتار كثيرا في أمر هذه البنت ، فعلى الرغم من أنها تشبه أمي ظاهريا وجوهريا، لكنها سلكت في حياتها مسلكا آخر ، فهي فنانة تعزف على آلة الفلوت ببراعة، تتحدى
أساتذتها وتتواضع لزملائها رغم تفوقها عليهم .
كل شىء فيها يثير دهشتي ، هذه الابنة الأم ، والأم الابنة ، أستعذب أحيانا ذلك الشعور المتناقض الذي أكنه لها ، لأنه شعور نادر لايتمتع به أحد سواي .
أخبرتني زوجتي يوما ، أنها تصاب بالذهول كلما أصغت لحديث هويدا عن تاريخ العائلة ، وتندهش حين تسهب في تحليل شخصية كل فرد من أفرادها ، فتتسائل:
ـــ من أين تحصل على هذه المعلومات ، وما هي مصادرها ؟
لم يحدث أن انطرح هذا الموضوع بشكل أو بآخر على مسامع أفراد أسرتي ، لأنني لم أسمح بذلك ، فأنا الوحيد الذي يعرف سر الحكاية ، لكنني بالتأكيد لست الوحيد الذي صار ابنا مرتين .
وتتناولين الزمان بعذوبة نكاد نلهث خلفك طوعاية وبقناعة فتارة تتعجلين الخطى وتارة على العكس تماما
وكل هذا وذاك يكون الإندماج والشد حاصلا ويتزايد مع تلألأ الحروف بقناديل بهية ملونة
تحيتي إليك
تسلمين
الأستاذ حسن المهندس
تغمرني بكلماتك العذبة
حتى أن نصوصي اشتكت من عدم تواجدك في الفترة الماضية
لا تبتعد كثيرا فما فائدة نص لا تحاوره كلماتك
شكرا لك
(تسلم)
في كل مره أقرا لك نصاً تذهلني اللغة وتسلسل المشاهد
إذ أن الحروف لا تهرب من بين معصميك ..
في هذه القصة بياض .. فوق المعتاد
مشاعر إنسانية وارتباطات بأماكن .. وأزمنة
مختلفة، المهم في الأمر أنك تستخدمين أسلوب النقل المباشر للحدث .. وكأنك تمسكين بعدسة كاميرا ..
وليس قلم ..
في النهاية أرى أن هناك أناس نرتبط بهم على الرغم من عدم رؤيتنا لهم ..
والاهم .. أنهم ينقشون على جدران أفئدتنا
نقشاً جميلاً .. لا يزول
المبدعة سولاف
المغايرة والمشاكسة في نصوصك يزيدها القا
نص جميل ..هاديء استرسالي
نصوصك يامبدعة تسحلني للقراءة وان كنت متعبا لكني
حين ابدا بالقراءة استرخي واستمتع
لك الشكر
في كل مره أقرا لك نصاً تذهلني اللغة وتسلسل المشاهد
إذ أن الحروف لا تهرب من بين معصميك ..
في هذه القصة بياض .. فوق المعتاد
مشاعر إنسانية وارتباطات بأماكن .. وأزمنة
مختلفة، المهم في الأمر أنك تستخدمين أسلوب النقل المباشر للحدث .. وكأنك تمسكين بعدسة كاميرا ..
وليس قلم ..
في النهاية أرى أن هناك أناس نرتبط بهم على الرغم من عدم رؤيتنا لهم ..
والاهم .. أنهم ينقشون على جدران أفئدتنا
نقشاً جميلاً .. لا يزول
المبدعة سولاف
المغايرة والمشاكسة في نصوصك يزيدها القا
نص جميل ..هاديء استرسالي
نصوصك يامبدعة تسحلني للقراءة وان كنت متعبا لكني
حين ابدا بالقراءة استرخي واستمتع
لك الشكر
عزيزي الأستاذ سعدون البيضاني
تسحلني وأسحلك
ما أجملها من حالة مشتركة ولدتها نصوصنا
شكرا لك أيها المبدع
إطلالتك تغمرني بالسعادة
تقديري
رائعة يا سولاف حد السماء
لقد خلتُك تتحدثين عن شخص يشبهني
وقد نجحتِ في إقحامي في أحداث قصتك الرائعة
وأجبرتني على قراءة الفقرة اكثر من مرة
دام لنا هذا الإبداع سيدتي المتألقة