مذ وعى الدنيا لقي نفسه في السرداب ذاته، لا ينقل إليه النور إلا تلك النوافذ الصغيرة المحفورة في السقف والجدران لتبث فيه شيئاً من حياة.
ألهاه التفكير بها طويلاً، سني عمره كلها مضت في التفكير بمبعث النور الذي يهل إليه وما وراء النافذة، بيد أنه كلما نهض للقيام أقعدته السلاسل في يديه وقدميه.
فكّر آخر الأمر بالمدد، صاح بملء صوته، لبث يصيح زمناً، جاءته أسراب من غربان وعقبان، حطمت كل زجاج النوافذ وتراكبت فوقها ناعبة في وجهه بمعزوفة كل ما فيها موت.
أراد أن يسد أذنيه بكفيه فلم يعيناه لما فيهما من سلاسل، أهوى إلى الأرض يتلوى ألماً، حاول أن يستعين بها عله يلقى النجاة في باطنها، لكنها كذلك لم تعنه.
صاح وصاح، لم يجبه أحد هذه المرة، فاجأه لحظة أن صوته لم يعد يصل إليه، حدق في ما حوله فلم يأته سوى الظلام، حاول أن يمد يديه فأقعدتهما السلاسل كرة أخرى.
أحس بحرقة دامية و بشيء يصّعّد من أعماقه، أعقبه هدوء غريب،ثم لم يبق حوله وأمام عينيه سوى .. ظلام في ظلام في ظلام.
التوقيع
الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ