لكي لا تكون ذريعة للتافهين / قصيدة مستدامة / وهاب شريف
لكي لا تكون ذريعة للتافهين
قصيدة مستدامة
وهاب شريف
************
أنفقت أحلامي
دون أن تدّخر الآهة ُ مقعدا لتجارب محتملة
لذلك لم تبق ثمة فرصة لانكسار عتيق يتجدد
البساتين أو الفساتين ارتدت خيبة الماء
علي اعتبار إن آخر ما لديها الانصياع ُفي الملذة
وتذكّرَ البعضُ أمطارا كان بإمكانها أن
تطفئ دكتاتورية الفقر
لو أنصف أرباب الجنود الجرار المملوءة بالفراغ
والتهيؤ للتشظي
لاعقل للمنتصرين في عيون البلهاء فقط
كان الصبيان يدخنون علي طريقة المغلوبين
دون شعور باحتمال أن يصرخ الفرح
من وجهة أخري
أثبتتْ التجاربُ إن منْ يمسك بلدة من الدمع تمسكه ُ
من ذريّته مثل جرذ أحول
لا شك إن عودة مخبول من محنة غريبة إلى حيرة مريبة
تجعله ُ
يتذكر قبره الجميل في حوزة آبائه المغرر بهم
وأرتّبُ بعض ما امتلك من دعابة مجروح
كي أنقذ نسلي من الهزيمة
غير إن أُمّي التي شهدتْ نزواتي
أطفأتني بالحياة
عندما احرقوني بالطلاسم والقناعة
وأنفقتُ آخر وردة من دروس الصباح
فأقفلتُ راجعا إلى محاولة أخري في الركض واللامبالاة
هل اصنع حزنا جميلا من بلاد عرضها الاحتراق
تجري من تحتها تأملات مقحمة في جدول السعي
وهي تصرخ يا أنا التي لاتطاق؟!
النهر يدرك جيدا كيف يتجعد وجه شاعر رقيق
مثل توبة في كأس ماء
لذلك يحاول السير بروح مرحة
ربما يحفر الهم ّ ُ وجه يوم جميل
غير إن صبية يتخاصمون يستهلكون خيبة الحروب
بيد إن جلودهم تقشعر
مثل قطة صغيرة تبحث عن أم وعن طعام
عندما يتذكرون صالحا
يدخل غارا يلتقي الإله فيه
الأيام ذاتها تدور
مثلما تفعيلة مكررة
مثلما الأحلام تقتفي الأمل
ووحدهم يمضون مكتئبين كاتبو الشعر
الحفاة
العراة
لذلك اسمع الآن كيف يأتي المدججون بالانتقام
إلى مكتبات شعر الغزل وفلسفة الموت والاقتصاد
ستحفظ الأرض أصابعهم
والطرائف التي يتبادلونها
وهم يحاولون نسيان ما أهدروا من نبات وجمال
بينما حدائق الذات تعشق أجنحة الطيور في ظهيرة يانعة
الماء يمنح كبرياءه للشقوق والرمال والمخادعين
عندما كبار السن يكركرون بالمرارة التي تحتاج المشاكسة
حين يصفر ضابط اثر سماعه صوت انفجار بلدة
أو انقلاب كرسي صباح يوم العيد
إن انسكاب غيمة طبع كريم عند رسام وفيلسوف للجمال
لابد من مساحة استراحة بعد انهيار يفسح المجال
إن تعود للحياة فراشة
وإلا ما الذي نصطاده عند الشعور بالألم
الذي يردد دائما
غباء الصيادلة والالتزام بعنجهية الطبيب
إن انكسار حالم هو الضياء الوليد من وجهة عاقلة
هل تحتاجون عراقا؟
خلفك الآن معمعة الكثير من المفردات الهرمة بالتداول المر
وعليك أن تستعد لتتسع لوصف جديد لما سيأتي
كل شمع علي مايراق
ستطلب منك أن تهجرها لتبكي اقحوانة طالت من الفرح
هل لديك متّسخٌ من الأفكار كي تقلق اسطوانة من النبيذ؟
كل ابن ورد وان سالت موسيقاه لابد أن يصبح فيلسوفا
من شدة الصفاء!
هل لديك منقلب علي ما أسّس المسلحون بالجوع وبالتواضع؟
علي اعتبار انك تملك الفراغ والمراوغة
كل ذنب إلى عائله
كل بيت إلى قائله
كل ثقب إلى نائله
وعلي اعتبار إنني امسك الخيط دون أن أراه
أتماسكُ بالصبح الذي افترضه بائعو القصائد المستعملة
هذا موجز ماقال منظّر أنيق وعدته أمه بعد أن انهي مرحلة التسيب
قبل عيد بلعبة جديدة
ولكي تتماسك أعضاء الجملة ينبغي أن نتماسك بالكذب جميعا
أليس الاتقاد حبا يمضغ الحروب
مامعني أن يختلط الحابل بالنابل
دون فرصة للهزيمة دون معادلة للتوازن؟
كل عام وانتم علي ساحله
كل نهر وانتم إلى قاحله
هل تحتاجون كوبا من العراق؟
لأنهم لوثوا الوسائد والوسائل أصبحت الطرقات مدانة
وحكايات الورد بيانات سرية
وبرامج تخسيس الوزن تستهدف البلابل
وعمال الجوع يذرعون أضلاع يتيم كان والده شاعرا مناهضا للحداثة
بصباح الخير خرجت أسراب النمل تتشمس
بينما دب خيط البكتريا يلتهم امعاءها الآمنة في رفوف الثقوب
تفتّح الألم في صناديق الانتظار
وبمرسوم من لبلابة
القي القبض علي جميع أسامي الفراشات
هكذا إذن
أصبحت أقمشة دمشق تتنزه حول حدود عواطفها
وأغنيات فيروز تأكل ذكرياتها
وأحلام البنات البغداديات تستقيم إلى غد مؤجل باستمرار
وبائعو الفول في الزمالك يتناوبون الأحلام
والشعراء المؤدبون في نواكشوط يملون من كثرة التقفية
وشمس المغرب العربي تسبح في ذاكرة البحر الأبيض المتوسط
وتطلعات الصبيان الذين تكاثروا مثل الأمل
يولدون مع صوت بلال في أزقة طهران
بينما حاسبات الغرب تعد العدة للاستسلام إلى
مجهول جميل
وعقلية حائرة
هل تحتاجون إلى كوب آخر؟
يبسم في لمّتهمْ ويكبّرهم ْ
يتشيطنُ إذ يتصاغر في حيرتهم
هو يشعر إنهم نحل عاقر
لكن غضاضتهم تدعوهم ينحون إلى الاستمرار
هو إيغال في المعني وخروج من لاجدوي
هو بعد حروب تتناسل أرقاما مذهلة
ينتزع ثيابا يلقيها في صندوق منسي
هو مجموع خسارات يحملها في جسد منحل
دون شعور بالكينونة
هو يشعر إن قطارات المنبوذين العميان
اشتعلت في آخر موقف
وهو يصفف أحلاما مزعجة
بعض قطار من أوجاع
ويحاول أن يشرب شايا من بعد حروب تتناسل
أرقاما مذهلة ليغص بشاي محتمل رابع
ا أقصر شاي بعد الحرب
ما أطول حرب قبل الشاي؟
حين هربتُ بجلدي من معمعة الحرية
واجهتني مشاكل عدة من بينها
إن الحياة رتيبة
وان الضحايا اقل
وان مقومات الكراهية عندي ازدادت نقصا
يا أيها الذين استشهدوا لاتشتموا نصب الحرية
حتى لاتسلموا أعناقكم مرة أخرى لحرية النصب
وتلك الأيام نضربها في الملح لكي لا تكون ذريعة للتافهين
الذي يكرّرُنا دائما
ويمنحُنا العطش
نؤجّجه ُ بالغناء
وحسرة الفواخت
كلانا يبدّلُ ثوبا
ليخدع َ سربَ الحروب
كلانا يغيّرُ جلدا
لينسى
كلانا يشقّ ُ النهارَ
لينمو
كلانا يخطّط ُ للاختلاف
مثل الذي لا يكرّرنا دائما
مثل الذي لا نؤجّجه بالغناء
نداعبهُ بابتسامات ما نكتوي
من ذكريات
ليجرحنا برقّتنا
مثل أمس مغفّل
نحن المشتغلين على ثيمة الأمل
َمنْ يملك عنفوان الاعتذار
من يملك قوة الهزيمة
من يملك لامبالاة الكرم
ِمن أجل أغصان التجارب
التي شربتْ حماقات البلابل
من أجل أنْ تتّعظ َالسواقي
من أجل أنْ أذكرَ إن الذي
منحْتُهُ عدمَ اكتراثي
مررْتُ عليه مثل موت مفاجئ
لذلك امتلأتْ دموعي بأسماكه البريئة
بيد إنّ الذي ضاع بين النجوم
كان قلبي الذي عندهُ
مثل لغز عصيّ
أيقن َ الأطفالُ إنّ جميعَ الحروب خاسرة
أدرك المكسور ُ إنّ حروفَ الكؤوس عابرة
أرجعَ العصفورُ أحلامهُ للمآسي الغابرة
وأذكرُ إنه عاد صافي الذهن
لا يعي المبرراتْ
عاد يمتلك القرارَ الحياةْ
وأذكرُ إنّ وهاب شريف
كان يبني من الطين آلامه ُ الباسلة
وينفخُ فيها من الصبر ما يكفي
لأيامه السائلة
كان في كلّ أنثى يموت ُ فيها
نخلة ً تكنس ُ الأرضَ من آثامها
وعلى جذعها ذكريات انتظار
وبقايا أغنيات
كلّ ُ زيتونة غيمةٌ من تأمّل
كلّ ُ غيمة رصيف
يذكرُ بعضا من خطى وهاب شريف
هل تذكرون بلدة ً جميلة ً
ودمعة ً خميلة ً
كان اسمها وهاب شريف؟
رد: لكي لا تكون ذريعة للتافهين / قصيدة مستدامة / وهاب شريف
يا أيها الذين استشهدوا لاتشتموا نصب الحرية
حتى لاتسلموا أعناقكم مرة أخرى لحرية النصب
وتلك الأيام نضربها في الملح لكي لا تكون ذريعة للتافهين
من أي جب حزن عميق و ألم على ما آل إليه الحال جئتنا بهذه الوثيقة كي لا تكون ذريعة لهم ؟!
و رغم خشيتي من اعتراض أحد الصيادلة أو الأطباء
أثبت هذه القصيدة لروعة ما جاء بها
و ليت من يتقن فن نقدها أن يهتم بما بين الكلمات، و يوافينا بدراسة عنها فهي موجز أخبار الوجع في البلاد...
لقد أبدعت أستاذي، و أشد ما أعجبني بها تحايلك على الشعر و بعض ما جاء من حكم و أمثال و ما جاء في الكتب و الأشعار، و صغت ما تريد ببراعة شاعر خبأ المعنى بين عيني القارىء و ضميره.
تحياتي لحرفك الشامخ أستاذي