أصبح من الصعب أن تدرك شيئاً .. ولكنها .. وفي اللحظة التي تسبق الاختناق , استطاعت أن تميز صوتها من بين حشد أصوات الأطلاقات المتنافرة .. هادئاً هدوء الموت , ثائراً .. عنيفاً .. وتمطى كل شيء بعد ذلك بوجل هارب ومفزع .
انتزعت نفسها من فرن الأصوات الهادرة .. لم تعد تتذكر تسلسل الحركة .. ولا أشكال الوجوه .. وفزعها وهم يفرغون فيها وابل الرصاص.
لم تعد تميز من معالم وعيها المفرغ سوى شارع طويل تجري فيه بلا هوادة كحصان مجروح هائم بين حراشف الأشجار ورفات صخور نامت عليها أوراق الخريف
... شارع متسق الأبعاد, يطويه الفراغ المظلم .. ينتظر قدومها بفارغ الصبر ليغرقها في دثاره الأثيري .. الضبابي المظلم ..
شارع لا يتنفس إلا بوقع قدميها الصارختين وهي تحمل ثقل الجسم .. وكومة أحزان محمولة في سلة سندان عقلها المرهق..
((.. هذا الصمت يرعبها ويحذر شغفها للتذكر.. يبلعها ككفن مفروش . . كجراد متناسل في حقل لا متناهي .. ))
وقع أقدام تتقدم برتابة فتبتلع السكون .. تتقدم لتنهشها وتغرقها في لهاث متدحرج .. تتحرك .. تتحرك .. حاصرتها ملوحة عند الحلق .. تخنقها رغبة تكاد تغتصب صرخة مكبوتة في دهاليز حنجرتها المرتجفة ترتعش .. تتمزق أسارير وجهها .. في لحظة .. أدركت بمجسات عقلها الظامئة أن الحزن والخوف هما .. الهاجس ..الحقيقة المرة , الوحيدة في حياتها .. إنهما شغلها الشاغل .. من يدري لعلهما المتاهة الوحيدة المتبقية لتتيه في مجاهلها
- (( كل الحقائق كاذبة .. كل شيء يكمن فيه خطأ ما .. كل شيء ))
الخطوات تتبعثر مع التعب المتسلل بانتشاء في جسدها الضامر المرهق .. بدأت تحس بثقل جسمها يتزايد .. يثقل .. يتواثب .. فيسقط على قارعة رصيف مكسورة .. تهالكت .. تمددت اليدان مثل غصنين طريين .. تقوس ظهرها على هيئة علامة سؤال .. فوران دائم يشق جبهة الصدر بوجوم متوحش .. تتقاذف نفسها كمنجل يترنح بين أعناق سنابل متكاسلة ..
- (( ما الذي حدث لهذا العالم ..تصرخ مهتاجة :- أبي اتركوه .. لا تطلقوا عليه النار .. لا )) .. ضياع أبدي في رحم عالم أخرس .. جسد أخر يتماوج من وقع معاول الرصاص المتراشق .. يغيب في سنادين الذاكرة ثم ينهض ليلحقها في سباق هستيري .. يدنو .. ويدنو .. ثم يتلاشى في الفراغ .
يعلو صوت وليدها .. مبتدئا ًمن ثغرة التلاشي .. يتلمس تضاريس ذاكرتها المتهشمة... يدغدغ صمتها السجين ... صوت مفجع .. كأنغام مزمار مشروخ .. حاصر أذنيها .. تغلغل في مسامات عقلها الأهليليجي وأقفل المسارب عليها .
صوت زوجها وصورته تغلف كل الموجودات بلون واحد لا تعرفه .. خليط أحمر,اختلط برائحة البارود الأسود .. وجه يعبس .. يطبق على شفتيه .. دم أحمر دافئ يجري كنهر تحت السرير المهتريء يتقيؤه جسده الممزق .. انتفضت كل مشاعر الغضب من صدرها .. اعتقدت أنها تستطيع أن تنهض الشمس من مهدها لتزيل ظلام ليل دام ٍ.. تتسارع الخطوات بالقرب منها.. وتدور معها نبضات مخنوقة .. يتجمد وجهها مفزوعاً مرة أخرى .. كادت حنجرتها تفلت من مدار حلقها الجاف .
الدائرة تضيق .. الصوت .. الوالد .. الطفل .. الزوج .. الوحش القاتم .. الرشاش المدوي .. المنصة تهتز..العقل يشتعل بإيقاع رتيب ومتصاعد .. ترتجف الأوصال .. تحتضر الهمهمات .. تحاول الوقوف ولكن خوفها أصابها بالشلل .. يزرعها .. يذلها .. كطائر فقد جناحيه بين الغيوم .. دائرة الأصوات تقترب .. وأصوات الرشاشات تستشيط , الأفق يخيطها بين لحظات السكون .. يثبتها كي لا تنساب من مكانها كأخطبوط أخرج إلى اليابسة من الماء .. تغوص في مخاض هستيري .. تحاول الوقوف .. ثم .. ((طاخ .. طاخ)) .. أصداء تتكرر في مشيمة ذاكرتها القلقة .. تلفظها إلى رحم المجهول .. يخيم سكون ثقيل يحيط به صرح خاو ٍكرجع النبض يلتف متشرنقاً بحبل متين .. بهتت الألوان , واختلطت الأصوات بوابل من الصور .. المنصة تهتز .. الفنجان يتشظى .. حشرجات تعلك همساتها .. تدلي عقلها .. تثبت جسمها كمسامير صدئة على قارعة الطريق .. كان صوت النبض في دمها يتململ , ويتمدد بشكل جديد لم تألفه .. يتشكل جنيناً .. يستعذب صرخته الأولى .. يختلط بصورة والدها وهو يحملها لأول مرة .. بصورة زوجها وهو يضمها لأول مرة .. بصرخة وليدها وهي تعانق ثغره لأول مرة .. تتلاشى أوجاعها في أخدود ومسارب ذاكرتها الخاوية .. يرتفع الجسد الممدد قليلاً ثم تشرأب الرقبة في سباق هستيري نحو مساحة ضوء نازفة من مجاهيل الغيب ..
-((آه .. آه أريد أن الآمس زهرة والدتي بيدي الراعفة حد الانكفاء.. ضميني بين وسادات أياديك وأطفئي صريرالنزف المؤجل في حنايا روحي المكممة بالسراب ..أقبلي أليّ فأنا بانتظار لمستك الحانية.. آآآه .))
وبهدوء أبتلعها حوت السكينة للمرة الأخيرة .. رفرفت روحها بعيداً عن جسدها سابحةً في الأفق رغم كثافة الهواء .. وانتهت لعبة الأصوات بمبضع القساوة والدموع .. وألقيت ورقة أخرى في مخافر شرطة هذا البلد ضد مجهول
انتهت لعبة الخوف وأغلقت المتاهة على أولئك الذين ينتظرهم المصير ذاته
المبدع مهند التكريتي
نص رائع ومؤلم سلمت يداك
فقط أرجو أن تعيد النظر بالعنوان
عندما يُطفئوا الحلم أو عندما يطفأ الحلم
تحياتي وتقديري
(يثبت )
-((آه .. آه أريد أن الآمس زهرة والدتي بيدي الراعفة حد الانكفاء.. ضميني بين وسادات أياديك وأطفئي صريرالنزف المؤجل في حنايا روحي المكممة بالسراب ..أقبلي أليّ فأنا بانتظار لمستك الحانية.. آآآه .))
وبهدوء أبتلعها حوت السكينة للمرة الأخيرة .. رفرفت روحها بعيداً عن جسدها سابحةً في الأفق رغم كثافة الهواء .. وانتهت لعبة الأصوات بمبضع القساوة والدموع .. وألقيت ورقة أخرى في مخافر شرطة هذا البلد ضد مجهول
صورة حية لاتفارقنا
بوركت أخي مهند ومع رأي استاذتنا سولاف بخصوص الإملاء
وكذلك كلمة يتقيؤه = يتقيأه
تقديري
التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC]
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 10-20-2011 في 08:41 AM.
سبح باسم صمتك
حين يطويك التراب
فوق منافي الحلم
سبح باسم قوافي المتعبين من أمثالي
حين تجوع انتفاضاتك الثكلى
في رئتي
وحين تستغفر آنية الذكرى
فوق مواعيد الانتظار
وفوق موائد رفوفك الحجرية
يا أيها الوطن المزيف
بلوثة الحلم الوردي
هاهي سبع مضين
كالحرائق
نحو ناصية اللاجدوى
هاهي
سبع حمامات
تأكلهن
سبع من شعاراتك السمان
بأصابع ..
سرت بدربنا ليلا ً
خلف مسجدك الحرام
وخلف مساقط للموتى
في مفاتيح رؤى
نادمت
مآذن راودت صمت سمائها
بمسبحة
من جنون القصائد
واضطرابات الأبجدية
في (( ... ))
لم يتبق َ فيه للذكر
سوى
ربع حظ الأنثيين
من سرفات الأرامل
وأوبئة النحيب
حيث يثمل نزفنا
.............
.............
بثالث حروف صلواتنا المعمّدة
بأغنية السديم
وأهزوجة الـ(( ... ))
.............
.............
.............
تعبنا من بكاء كبيرنا
مثلما تعبنا
من بكائك الصغير
يا كفنا ً تناثرت فوق عجلات
موائده
أمنيات النوارس
وحقائب رمال لم تكن ترغب
في حمل رياح ارتعاشاتنا
نحو أودية النواح
ياوطنا ً
لم يتبق لنا فيه
سوى
أن ننشد أغنية ..ً للرحيل!
أخي الرائع/ مهند التكريتي
لسردك يا رجل جلال القاص المتمكن من أدواته،
فأنت تستطيع ربط جملتك القصصية في سهولة ويسر بما يليها من جمل، كما تتبلور الفكرة جيدا في رأسك ومن خلال المفردات اللغوية المناسبة تنطلق إلى سرد تتابعي في متوالية فكرية ، تربط بين جمال حرفك وروح القارئ.
فقط العنوان يعد هاماً جدا؛ فأحسن اختياره ليتم جمال العمل،
علاوة على عدم اهتمامك بعلامات الترقيم وهي هامة جدا ولها العديد من الدلالات داخل النص القصصي،
ومع ذلك امتعتني قصتك أخي الكريم
لك تحيتي وباقة من جنان القص
مودتي وتقديري
د/ ثروت عكاشة السنوسي
مصــــــــــــــــــــر
أنا معك بأن العنوان يمثل العتبة الأولى لدخول النص .. ولكن هذا النص قديم جدا ً راقب نصي الذي شاركت به في مسابقة القصة الذي تم حذف بعض المقاطع الشعرية من بين متونه الا أنه مايزال محافظا ً على نسيجه الداخلي المتوازن .. وقد استثمرت فيه عنوانا ً أقترحه أدغار بو ..سوف تعرفه ما أن تراه ووظفت أسطرة وأنسنة لأشياء لها انعكاساتها على أرض الواقع .. تقبل مودتي
آخر تعديل مهند التكريتي يوم 10-20-2011 في 04:39 PM.
أنا معك بأن العنوان يمثل العتبة الأولى لدخول النص .. ولكن هذا النص قديم جدا ً راقب نصي الذي شاركت به في مسابقة القصة الذي تم حذف بعض المقاطع الشعرية من بين متونه الا أنه مايزال محافظا ً على نسيجه الداخلي المتوازن .. وقد استثمرت فيه عنوانا ً أقترحه أدغار بو ..سوف تعرفه ما أن تراه ووظفت أسطرة وأنسنة لأشياء لها انعكاساتها على أرض الواقع .. تقبل مودتي
أخي الحبيب/ مهند،
قرأت اشعارك النثرية واستمتعت بك شاعرا،
ورجلا يحاول مجتهدا كتابة القصة القصيرة،
ولكن للقصة القصيرة أدوات تختلف اختلافاً شبه كليّ وفعليّ عن شعر النثر،
فالقصة لها أدواتها وتكنيكاتها اللغوية والفنية.
ومن أدواتها (اختيار عنوان مناسب تظهر دلالاته داخل النص السردي)
وانت اخترت "عندما يُطفَؤ الحلم"
والصحيح أخي الفاضل كان في اختيار عنوان به فعل استمراري كالفعل المضارع
ليدلل على التجدد والدوام،
مثلا لتقول في عنوانك [عندما ينطفئ الحلم]
وليس كما صغته أخي بطريقة فيها شئ من خطأ اللغة أيضاً
بجوار الخطأ الفني التقريري [يطفؤ] والمفترض لغوياً (يُطفأُ)
والمهم هنا أخي الحبيب هو التوظيف اللغوي والفني للمفردة داخل العمل،
والقصيدة لها متطلباتها لغة وفناً...
ولا يصح وضع أبيات شعرية داخل النص القصصي،
فالسرد والحكي له أصولة، لكن يجوز تضع كلمات بسيطة لأغنية مثلاً
وهو يختلف في الرواية عن القصة عن الومضة، وهكذا................ .
المهم ستكون لنا معا صولات وجولات في شتى صنوف الأدب،
والأرواح جنود مجندة؛ فأنا أحببتك من شعرِك الرائع وحرفك البديع
مودتي وريحان من ضفاف النيل
د/ ثروت عكاشة السنوسي
مصـــــــــــــــــــر
هل تعلم ياصديقي بأنني قد نشرت هذا النص في أكثر من موقع وتحت عنوان (( عندما {يطفأ } الحلم )) .. الا أن أحد الدكاترة المختصين في اللغة جعلني أبدل صياغة الفعل الى { يطفؤ } .. فاذا كان هذا الأستاذ المتخصص في مجال اللغة قد أوقعني في هذا المطب فأنني أعتذر لك عن الانجرار وراء تعديله الطفيف هذا ، وأما النص الذي أخبرتك عنه فهو بعيد عن هذه الصفحة تماما ًَ واذا كان بالامكان أن أرسل لك النص الذي أخبرتك عنه ، فأرجو أن ترسل ايميلك لي كي تقرأه وتحدد بعدها مدى ملائمة ما أخبرتك به سابقا ً عنه .. تقبل مودتي أيها الجميل