كانت يديها شبه مغطاة برغوة الصابون وهي واقفة أمام ماكينة الغسيل تقبض على الشعرة الطويلة بإحكام بالسبابة و الإبهام و هي ترتعش من هول ما نالها من الصدمة .. هذه الشعرة التي وجدتها مندسة بين طيات ملابس زوجها الداخلية شقراء اللون لمّاعة لا تشبه لون شعرها الأسود الداكن , حتما إنه يخونها مع إحدى الشقروات , إنها الخيانة العظمى , لقد حطمها و حطم بيتها .. اسودت الدنيا أمام عينيها , راحت تتنقل بين الغرف كالمجنونة بلا هدف ,رائحة الشياط انبعثت من المطبخ تنبئ باحتراق طنجرة الطعام وهي فوق النار فالشعرة الشقراء أنستها كل شيء ، أشغلتها حتى عن طفلتها الرضيعة التي تعالت صيحاتها من داخل غرفة النوم .. انحدرت مع السلم إلى الدور الأرضي مهرولة تتمتم بالشتائم : سأذهب إليه الآن و سأضع الشعرة على مكتبه و أمام عينيه , ثم أفضحه أمام زملائه في العمل حتى تكون له عبرة لن ينساها عبر السنين المتبقية من عمره .. خرجت إلى الشارع منكوشة الشعر تهرول نحو مقر عمل زوجها القريب و الشعرة ماكثة بين سبابتها و الإبهام تداعبها النسمات , عبرت الطريق السريعة منحنية و سرب من السيارات توقف أمامها فجأة محدثا ضجة كبيرة جراء دوس السائقين على الفرامل بقوة و عنف احتكاك العجلات بالإسفلت , حمدا لله لقد نجت من صدمة السيارة الأمامية بأعجوبة , أخرج أحد السائقين رأسه و خاطبها غاضبا : مالك هل أنت مجنونة ؟ قال سائق آخر و ابتسامة ساخرة تعلو محياه : أهكذا تعبرين طريقا سريعة محفوفة بالمخاطر مثل ( ناقة شاردة ) أيتها المجنونة . لم تكترث بأحد و لم تلتفت كانت منشغلة بسب و لعن بعلها بينما كانت تتلقى نفس اللعن و الشتائم من أصحاب السيارات التي أجبرتها على التوقف .. واصلت طريقها حتى دخلت إلى مكتب زوجها , وجدته منشغلا مع أحد زملائه بالعمل , التفت فجأة ليجدها ماثلة أمامه و شرر الغضب يتطاير من عينها , خفق قلبه بشدة و اعتقد أن مكروها قد حل بابنته الرضيعة لكنها فاجأته بوضع شعرة شقراء لامعة أمامه و يديها مازالت تحمل بقايا من رغوة الصابون ثم قالت بصوت عال : هذه الشعرة لمن يا خائن يا ...يا . استدار بظهره ليختفي وراء خزانة تحمل في رفوفها ملفات قديمة , تمنى لو أن يكون ملفا ضائعا في رف من رفوفها أو أن تنشق الأرض و تبتلعه , فهو يدرك جيدا طبيعة زوجته , أنه لا مجال لمجادلتها حتى يتفادى مزيدا من هيجانها .. تدخل أحد زملائه و خاطبها قائلا : تريثي سيدتي هذا مقر عمل و من الواجب إحترامه , رفعت الشعرة من على المكتب و خرجت عائدة إلى البيت , هناك حملت إبنتها الرضيعة و غادرت إلى حيث بيت أهلها عاقدة العزم على عدم العودة إلى بيت الزوجية , فزوجها خائن و لا يستحق أن يكون زوجا بل هو لا يستحق أن يكون رب أسرة في الأصل ... في اليوم الثالث من مكوثها بين أهلها اتصلت بها صديقتها الحلاقة فاطمة سائلة : هل تريدين صبغ شعرك كما المرة الفارطة بالون الأشقر اللامع .