تزوج أبى امرأة من درنة...كانت سمينه وذات ملامح باهتة..لكنها كانت نظيفة..سريعة الحركة..صحيح أن قلبها كان غليظا ً!!..لكني عندما تفتحت على الحياة وكان عمري خمسة أعوام لم أجد غيرها في فضاءاتي غير الواسعة!!لكنها كانت تكتظ بميزات أخرى..لم تكن تسمح لي بالخروج إلا بملابس نظيفة ومنديل في جيبي ثم اخرج مع أبى الذي أصبح الأب والأم معـــاً ( كان يكرر ذلك دائماً أمام أصدقائه).. ا مـــى وردة ( زوجة أبى ).. تهتم بي..لم تبتسم لي في حياتها إلا نادرا ً ( عرفت امرأة بعدها جميلة كانت ابتسامتها أقصى ما أتمناه)..وحقيقة هي لا تعرف البسمة أصلا..لكنها كانت وردة إمرأة منظمة.. ايتيكيت درناوي أصيل!!..تهتم بمظهرها... ملابسها ..تستيقظ مبكرا ..تنظف المنزل وتجهز الفطور ثم توقظني أولا لأغسل وجهي بالماء والصابون وأنظف اسنانى.. (عرفت هذه التعاليم في مدرسة البركة رقم1.)....ثم تتفقدني من رأسي إلى قدمي ..هل هناك عيب ما..تبولت في فراشي؟؟ أو أن وجهي ما يزال نائماً كسولا ً ( كما تقول وردة)..وبعد ان تطمئن على رعيتها الوحيد( لأنها لم تنجب) تحملني ثم تجلسني على رجلها لأتناول فطوري. لم أحس في أنفاسها بدفق الحنان..لكني تعودت عليها..وتعودت على أن الحياة بدونها ربما لا تستمر!!.. مدين لها بأي عادة حسنة أمارسها حتى الآن مثل النظافة أو شرب الماء دون أن أتنفس في الكوب أو أن أضع يدي على فمي كلما تثاءبت أو سعلت أ وعطست..ربما الآن لم اعد اهتم بهذه التعاليم الكهنوتية..لكنى ظللت لعدة عقود متمسك بما بقى منها..أمي وردة لم تكن تحب الضجيج..كانت تعشق السكينة الموحشة احياناً!!..تسمع صوت الإبرة في القيلولة.. تمنعني من مرافقة الصغار ذوى العادات السيئة المتعلقة بالنظافة..بعض الاطفال كانوا يأكلون التراب..كانت تبعدني عنهم ..تتلصص من ثقب الباب فإذا وجدت معي طفل مظهره سيء خرجت مسرعة بالرغم من سمنتها..تحملني فورا وتدخل بي إلى المنزل وتنهرني..وأحيانا تصفعني ..حتى لااعود إلى مرافقة هؤلاء الأطفال..كانت تخاف علي.. فتمنع أبى أحيانا من مرافقتي معه إلى جلساته مع أصدقائه.. كان يحتج لكنه في اغلب الأحيان يستسلم..لأنها تخاف على من عادات أخرى لدى الكبار الذين لا يرحمون الطفولة..ذات مرة ارسلتنى إلى حانوت الحاج سعد..كان هذا الأخير يحملني ويقبلني كثيرا..ومن تلصصها من وراء الباب أدركت عادات الرجل السيئة فمنعتني من الذهاب إليه..وكانت تنهره كلما رأته يقترب منى..وتخرج إلى الشارع وتسمعه غليظ القول حتى خاف الرجل ووجل من العواقب فابتعد عنى..تلك هي أمي وردة بهذه المتناقضات ..لا أقول أنها كانت تكرهني لكنى لم اشعر بحبها.. كانت ملامح وجهها لا تفضي بك إلى اى معنى يتعلق بأي لحظة..مع شعوري باهتمامها بي..كانت تقبلني أحيانا كلما فعلت ما يثير إعجابها..لكني لااتذكر إني أثرت إعجابها إلا بضع مرات!!. قبلاتها باردة..لكنى أصبحت حريصا على رضاءها ..ذات مرة ضربتُ طفلا لأنه كان يأكل التراب ضحكت وردة كثيرا واعطتنى قطعة حلوى وشكرتني.. ..كنت انهر ابى كلما تشابك معها..كانت وردة مثل الرجل يدها بيد ابي كلما اختلفت معه..تكون ألضربه بأختها!!! ذات مرة زاد حنق ابى.. امسك بها وضربها حتى أوقعها على الأرض صرخت وقالت: أنا امرأة كيف تسترجل علي؟!!لأول مرة اشعر بالعطف عليها..وببراءة الطفولة شرعت أرمى والدي بأكواب الشاي الصغيرة!! واستغرب هذا التصرف فأنحني علي بحنو وقال : إنها قاسية علينا فلماذا تدافع عنها ضدي وأنا أبيك؟؟ .. هي ليست أمك الحقيقية..لم استوعب لحظتها كيف هي الأم؟؟ عندما لاتكون وردة؟؟..حتى تلك اللحظة لم أكن اعرف أنها ليست امى..بكيت بحرقة..ضمتني وردة إلى صدرها وقبلتني وقالت: لا تصدقه ..انه حانق على ويكرهني ..أنا أمك..من يغسل لك... من يعد لك الأكل والعصير البارد..من يشتري لك من درنة الارنجاتا ...من يصنع لك ماء الورد الذي تعشقه ..من الذي يعد لك البراك الذي تحبه..البراك الدرناوى الذي هو في كعقلة اصبعك وتبتلعه بنهم.. بكت وردة..لأول مرة اشعر بسخونة دموعها التي سالت على خدي الملتصق بخدها...وتأثر ابي وندم لأنه قال لي ان وردة ليست امى..شعرت بندمه فى عينيه..كان لا يعرف البكاء..لكن التماع عينيه فهمته لحظتها..لكن ابى كان في حاجة إلى أشياء أخرى غير الحنان على طفله اليتيم!! ..كانت همومه ربما اكبر من مجرد الاهتمام بي..لذلك طلق وردة طلاقا لم يرجع عنه وتزوج بأخرى... وتلك قصة تختلف... بعد ان كبرت قالت لى زوجة خالي ان وردة كادت ان تقتلني بمتفجر صغير!! وهى انقذتنى في اللحظة الأخيرة.. لم أصدقها... وردة لاتقتل كائنا كان يؤنس وحدتها..بل كانت تعرف أنى مبرر وجودها الوحيد...كل ما في الأمر ان زوجة خالي كانت تحب امى..لكن امى ماتت ووردة طُلقت!!
تذكرت كتاب بعض من سير التعب
أتمنى أن أحصل عليه ثانية رابط على النت وورقي
طبعا قرأتها سابقا عدة مرات
واليوم أيضا أعدت قرأتها ....تحمل القصة الكثير
دمت رائعا صديقي
تذكرت كتاب بعض من سير التعب
أتمنى أن أحصل عليه ثانية رابط على النت وورقي
طبعا قرأتها سابقا عدة مرات
واليوم أيضا أعدت قرأتها ....تحمل القصة الكثير
دمت رائعا صديقي
دام وجودك يا زهرة النبع ووجهه المضيء دائماً..شكرا لك.
قرأتها في بعض من سير التعب واشكرك فعلاً لمنحي هذه الفرصة
ومع هذا عندما أعدت قرائتها اليوم من جديد ووجدت الكثير من المعاني التي تختبئ بصمت خلف الكلمات لمشاعر الطفل وعدم نكرانه للجميل في العلاقة بينه وبين زوجة الأب التي ربت بصدق ووجهت للطريق الصحيح بحرص وخوف (الأم التي تربي).
السنوسي الغزالي
قصة تقول أكثر مما تعلن, مسبوكة بحنكة واقتدار, وترسل شفراتها بيسر وسهولة
تقديري لك إنسانا ومبدعا نتعلم منه الكثير
مودتي وتقديري
استاذي الفاضل غريب عسقلاني..مازال المذاق الاسطوري لقصصك القصيرة في مجلة الفصول الأربعة يتردد صداه هنا بين الزملاء..لذلك يشرفني ان تقول هذا وانت كما انت بهذه القامة التي نعتز بها..شكرا لك.