قال الله عز وجل " أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ" أي هؤلاء المتصفون بما ذكرنا التائبون إلى الله المنيبون إليه المستدركون ما فات بالتوبة والاستغفار هم الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فيغفر لهم الكثير من الزلل ونتقبل منهم اليسير من العمل من أصحاب الجنة أي هم في جملة أصحاب الجنة , وهذا حكمهم عند الله كما وعد الله عز وجل من تاب إليه وأناب .
ولهذا قال تعالى " وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ " قال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا المعتمر بن سليمان عن الحكم بن أبان عن الغطريف عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الروح الأمين عليه الصلاة والسلام قال" يؤتى بحسنات العبد وسيئاته فيقتص بعضها ببعض فإن بقيت حسنة وسع الله تعالى له في الجنة"
قال فدخلت على يزداد فحدث بمثل هذا قال : قلت فإن ذهبت الحسنة قال " أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ"
وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن المعتمر بن سليمان بإسناده مثله وزاد عن الروح الأمين قال : قال الرب جل جلاله يؤتى بحسنات العبد وسيئاته فذكره وهو حديث غريب وإسناده جيد لا بأس به .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سليمان بن معبد حدثنا عمرو بن عاصم الكلابي حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن أبي وحشية عن يوسف بن سعد عن محمد بن حاطب وقال : ونزل في داري حيث ظهر علي رضي الله عنه على أهل البصرة فقال لي يوما لقد شهدت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه وعنده عمار وصعصعة والأشتر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه فكان علي رضي الله عنه على السرير ومعه عود في يده فقال قائل منهم إن عندكم من يفصل بينكم فسألوه فقال علي رضي الله عنه كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى" أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ "
قال والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله قالها ثلاثا قال يوسف فقلت لمحمد بن حاطب آلله لسمعت هذا من علي ؟ قال آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه .
يقول - تعالى ذكره - : كم ترك فرعون وقومه من القبط بعد مهلكهم وتغريق الله إياهم من بساتين وأشجار ، وهي الجنات ، وعيون ، يعني : ومنابع ما كان ينفجر في جنانهم ، وزروع قائمة في مزارعهم ( ومقام كريم ) يقول : وموضع كانوا يقومونه شريف كريم .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله ذلك المقام بالكرم ، فقال بعضهم : وصفه بذلك لشرفه ، وذلك أنه مقام الملوك والأمراء ، قالوا : وإنما أريد به المنابر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني جعفر ابن ابنة إسحاق الأزرق قال : ثنا سعيد بن محمد الثقفي ، [ ص: 32 ] قال : ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن أبيه ، عن مجاهد في قوله ( ومقام كريم ) قال : المنابر .
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال : ثنا عبد الله بن داود الواسطي قال : ثنا شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير في قوله ( ومقام كريم ) قال : المنابر .
وقال آخرون : وصف ذلك المقام بالكرم لحسنه وبهجته .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( ومقام كريم ) : أي حسن .
وقوله ( ونعمة كانوا فيها فاكهين ) يقول - تعالى ذكره - : وأخرجوا من نعمة كانوا فيها فاكهين متفكهين ناعمين .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( فاكهين ) فقرأته عامة قراء الأمصار خلا أبي جعفر القارئ ( فاكهين ) على المعنى الذي وصفت . وقرأه أبو رجاء العطاردي والحسن وأبو جعفر المدني ( فكهين ) بمعنى : أشرين بطرين .
والصواب من القراءة عندي في ذلك ، القراءة التي عليها قراء الأمصار ، وهي ( فاكهين ) بالألف بمعنى ناعمين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ونعمة كانوا فيها فاكهين ) : ناعمين ، قال : إي والله ، أخرجه الله من جناته وعيونه وزروعه حتى ورطه في البحر .
وقوله ( كذلك وأورثناها قوما آخرين ) يقول - تعالى ذكره - : هكذا كما وصفت لكم أيها الناس فعلنا بهؤلاء الذي ذكرت لكم أمرهم ، الذين كذبوا [ ص: 33 ] رسولنا موسى - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله ( وأورثناها قوما آخرين ) يقول - تعالى ذكره - وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومقاماتهم وما كانوا فيه من النعمة عنهم قوما آخرين بعد مهلكهم ، وقيل : عني بالقوم الآخرين بنو إسرائيل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( كذلك وأورثناها قوما آخرين ) يعني بني إسرائيل .