الأدب العظيم و الأدب السخيف
الأدب العظيم هو الأدب الذي ينبع من روح الأمة التي أنجبته ،إن كل من يقرأ لعظماء الأدب يجد روح أممهم ماثلة في كتاباتهم.
أما الأدب السخيف - وهو أدب ردئ بكل المقاييس - فهو الذي يضع روح أمته في جانب لينزوي هو في جانب آخر مقابل وربما معا كس،فهو لا يلتزم بالقضية الإنسانية ولا بالدفاع عن القيم النبيلة ولا بالتطلعات الطموحة لسواد الشعب،ولا يكلف نفسه عناء حماية المكتسبات التي تضع مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار،وتجعل منها مبدءا غير قابل للمساومة.ولذا كان التاريخ يأبى وهو محق في ذلك أن يحتفظ في سجله للأجيال القادمة بمثل هذا الأدب،وحتى لو فعل لكان ذلك من باب ضرب الأمثلة على سخافة وانحطاط أدب لشخص أو طبقة أو أمة في عصر من العصور.
الأدب العظيم أدب أصيل تتجلى فيه روح الأمة بكل وضوح،فنحن مثلا حين نقرأ طاغور تطالعنا من خلال قصائده روح الأمة الهندية بإرثها الحضاري الضخم،وكذلك الأمر بالنسبة للوركا والأمة الإسبانية والمتنبي والمعري والأمة العربية،وملتون والأمة الانجليزية...إلخ...إلخ...
إننا لا نكاد نجد أديبا عظيما إلا ونجد فيه الإنتماء التام لأمته،ومن هذا الإنتماء ومن اعتبارات أخرى يستمد الأديب قدرته على الخلود والإستمرار،فتمر السنون والقرون ويبقى هرما شامخا يجالد الزمن،كأنه والزمن توأمان سواء بسواء.
والقارئ فيه ميل ونزوع إلى ما هو أصيل،فتراه يقبل على قراءة الأدب الأصيل إقبال الظمآن على المنهل العذب ،بينما نراه يشمئز من الأدب السخيف ويتأفف من قراءته ،لأنه أدب وضع القطيعة بينه وبين أمته وروحها.وفي رأينا الشخصي المتواضع أن مثل هذاالأدب ينبغي أن يحنط في متاحف التاريخ ،ولا يشار إليه حتى بأصبع الإتهام ،والقذف بالسخف والسماجة.
ولا شك أن الأمة تبقى حية وخالدة في أدب أبنائها كما تبقى حية وخالدة في مظاهرها الحضارية الأخرى على توالي الأزمنة والعصور، ذلك أن الأدب حين يلتحم بقضايا أمته وبهمومها وطموحاتها يكون في التحليل الأخير أدبا إنسانيا ،على أساس أنه ينطلق من الإنسان إلى الإ نسان كيف ما كان عرقه وأينما كان موطنه.وإن الأعمال العظيمة في الأدب العالمي ما اشتهرت وذاع صيتها وكتب لها الخلود إلا لأن الأمم الأخرى على اختلاف أعراقها ومللها ونحلها ومواطنها وجدت فيها شيئا من نفسها ،فاحتضنتها واحتفت بها وجعلتها ملكا لها ،فشكسبير ليس ملكا للإنجليز وحدهم وغوته ليس ملكا للألمان وحدهم ونجيب محفوظ ليس ملكا للمصريين والعرب وحدهم ،وقس على ذلك عظماء الأدب في التاريخ وفي العالم ،إنهم ملك للإنسانية قاطبة.
أما الأدباء المنسلخون عن روح أمتهم تنكرا لها أو استعلاء عليها أوتصغيرا لشأنها فهم الخاسرون في نهاية المطاف،ولا أريد أن أعطي أمثلة على أدباء أساؤوا إلى أمتهم في كتاباتهم لأن الآخر يريد منهم كتابة بتلك المواصفات السلبية ،ولأن الغاية عندهم هي الشهرة وكسب المال بطبيعة الحال، فهم لم يخدموا الأدب لأن أهدافه نبيلة وسامية ،ولم يقدموا خدمة لأمتهم كما كانت تنتظر ذلك منهم.فالقارئ يعرف نماذج من هؤلاء ولا حاجة له في تذكيره ببعض الأسماء ،ففي حقهم يصدق القول المأثور:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت" .
صحيح ، إن الأدب السخيف لفي خسر.