وفاء لذكرى فقيد الأدب والشعر المرحوم عبد الرسول معلة، أستلّ من الذاكرة المحاورة التالية:
رسالة من مواطن عربي..
كان ياما كان، في قريب الزمان.. رجل معدم نخر الفقر منه العظام، ورغم أنه كان بحاجة إلى القليل من الطعام، لكن حنينا تملكه إلى حرية الكلام.
وعلى أمل ألا تصله.. قصد ديوان السلطان، وترك له هذه الرسالة:
يا سيّدي!
شكوايَ.. أرفعها بإجلالٍ إليكْ
من قلب ملتاعٍ.. ونفسٍ ضارعهْ
لا.. لستُ أنوي أن أثيركَ
يشهدُ اللهُ.. وربِّ القارعهْ!
لكنَّني.. لمَّا كتبتُ رسالتي
واريت أمني عارياً في كهف صمتي..
مثل خلد.. ربما أُشوى بنار سلاطتي
وقصدتُ عرشك مكرهاً
حين استحال عليّ عرش الله
في أعلى السماء السابعهْ
*****
يا سيِّدي!
من أين أبدؤك الكلامْ؟!
من طفرة المازوت والبنزينِ..
من فوق الغمام!؟
من موج "سونامي" الغلاءْ؟!
من كهرباءٍ دونها يحلو الظلامْ؟!
أم من قضاءْ؟!
أم من حشرجات الموت.. في صدر الرعيَّه
تحت أكداس الضرائب راكعهْ!؟
قلْ لي بربّكَ سيّدي!
من أين أستجلي حدود الفاجعهْ؟!
*****
يا أيّها الراعي المطاعْ!
قد جئتُ بالشكوى إليكْ
برجاء أن تبقى على طول المدى
حكرا عليكْ
لا تطلعِ الحوذيّ والسجّانَ..
والحجّابَ والحرّاس.. عن بَوْحي إليكْ!
فجميعهم يا سيّدي..
سلطات أمنٍ قامعهْ
يتجبَّرونَ ليظفروا.. في كلِّ حالْ..
بنصيبهم من كلّ مالْ
ما همّهم أمٌّ وأبْ
ما همَّهم وطنٌ وشعبٌ..
ليس تجمعهم بهمْ في الحقّ أيّةُ جامعهْ
*****
يا سيّدي!
مع كلّ حبّي والولاءْ..
أثقلتََ في عيشي المقنّع كاهلي
بضرائبٍ دقّّتْ عظام مفاصلي..
ظفرتْ بها دوماً..
حكوماتُ اغتصابٍ جائعهْ
أفرادها متزلّفونْ..
بلحوم شعبكَ ينهشونْ..
ودِمَ الخزينة يشربونْ..
خبراتهم في كلّ ذلك بارعهْ
*****
ماذا أفيدكَ.. سيّدي؟!
فإذا الإدارة بالفساد تلوّثتْ
أضحتْ به كلّ الحكومة ضالعهْ
قبَسُ الفساد إذا استقرّ بموضعٍٍ
تسعى به كلُّ المواضع والعهْ
ويظلّ صمّامُ الأمان هو القضاءْ
فبه الخلاصُ.. ومنه ينبعث الرجاءْ
لكنهُ.. يا سيّدي..
قد صار أنقاضاً.. سقوفه خاشعهْ
وفمُ العدالة لم يظنَّ ببصقةٍ
في وجه أصحاب الحقوق الضائعهْ
وفنون سمسرة المحامي..
تستهين بحقِّ مظلومٍ.. وتقفل بالغنائم راجعهْ
*****
لا تنتقدْني.. سيّدي؟!
أني تمنّيتُ التقرُّبَ من جهنّم.. في الشتاءْ
ورمقتُ مَن فيها بنظرات الحسودْ
أمضيتُ فصل البرد تحت إقامةٍ جبريةٍ..
مستدفئاً تحت الغطاءْ
لمّا نبا عن طاقتي ثمن الوقودْ
أكبرتُ دفء الله بالمجّانِ.. مشتاقا إليهْ:
يا ليت شمسي في الليالي والنهارِ..
تظلّ دوما طالعهْ!
*****
لا.. لا تلمني سيّدي!
أنا لستُ في صمتي ملامْ
قد علّموني: أنَّ صمتي ألفُ أفضل من كلامْ..
فاسكتْ!! ودعْ عنكَ التشكِّي والملامْ
كيلا ترى دنيا جهنّم واقعهْ!
وصمتُّ.. حتى أُفلتتْ أسبابُ صمتي من يدي
لكنه .. يا سيّدي!
قد زاد من إمعانهمْ بالظلمِ.. حتّى أنّهمْ..
لم يلحظوا شعباً يجفّف بالهوان مدامعهْ
*****
يا سيّدي!
جئتم بأحكام الطوارئِ.. أو قوانين الأمان القاصعهْ
لمّا هوتْ عن ردع من قصدوا الإساءة رادعهْ
فبذلتُ في حفظ النظام وصونه حرّيتي
سلّمتُكم حقي بتعبيرٍ.. بفعلٍ أو كلامْ..
حقي بعدل.. أو بأمنٍ داخليٍّ مستدامْ
وأجبتُ مختارا.. بنفسٍ طائعهْ
*****
أحسستُ أني.. سيّدي!
سلمتُ أمري من يسوس مصالحي
ويذبُّ عني أيّ سوءٍ..
قبل أن يأتي وقوع الواقعهْ
من يهتدي لمواجعي قبلي..
كأمٍّ لم تزلْ.. تستشعر الألم الدفينَ
بعمق أعماق البنينِِ
بدقةٍ.. وصرامةٍ.. ومتابعهْ
*****
لو أنني.. يا سيّدي!
لا قدّر الله.. استربتُ بطالبٍ أو مطلبِ
لو خالجتني ريبةٌ..
أني أمام حكومة نصّابة ومخادعهْ
شطبتْ حقوق المخلصينْ..
نهشتْ قلوب بناتنا.. ثمّ البنينْ
وبدتْ بظاهر أمرها متواضعهْ
ما كنت.. لا واللهِ..
أقبل أن أفرّط في الحقوقْ..
ولكنتُ أعلنتُ التمرّد والعقوقْ
وجمعتُ لجّة ثورتي..
من كلّ عينٍ دامعهْ
*****
لكنني يا سيّدي!
آمنتُ بالفوز القريب لأمّتي..
وبأنّ ظلماءَ الدُّجى متراجعهْ
أدركتُ أنَّ العصمة الغرّاء ليستْ للبشرْ..
جلّ الذي أبداً تنزّه عن زللْ..
والناس أمثال الدولْ
والخير فيمن لا ينام على دَغَلْ
بل يستردّ إلى صراط مستقيمٍ
حكمَهُ.. وشرائعهْ
*****
***
*
24/8/2010
نبيه محمود السعديّ
=وكان تعليق المرحوم عبد الرسول على قصيدتي هذه:
الشاعر الكبير نبيه السعدي.. لقد اطلعت السلطة الرابعة على رسالتك وتمكنا بعد جهد متعب من الاطلاع على الرسالة التي أرسلها السلطان ـ حفظه الله ورعاه ـ سرا إليك وحاولت إخفاءها خوفا من غضب السلطان
فإذا أذن لي ولي أمري ( النت ) بنشرها ستكون أمام الجميع في قناة القناديل قريبا لكي يطلع عليها كافة الأعضاء حتى تكون أنت العبرة لهم .
ورغم خوفي أقول لقد شفيت ما بداخلي من جروح وقلت ما لم أستطع قوله فهنيئا لك هذا النقاء والصفاء في قلبك الكبير
سلامي وتحياتي ومودتي
=فجاء ردي على رسالته كالتالي:
الأخ الحبيب عبد الرسول:
أتمنى على السلطة الرابعة، ممثلة بكم، أن تكشف عن رسالة الرد من قبل السلطان، حفظه الله ورعاه، فهي لم تصلني بعد أيها الأخ الكريم.. وبيني وبينك، أتمنى ألا تصل، فأنا أرسلت رسالتي كما ذكرت في مقدمتها على أمل عدم وصولها.. أجارنا الله وإياكم من غضبه، وأليم عذابه..
مع كل تقديري ومودتي
=وفي رسالة خاصة كتب لي عبد الرسول في 19/10/200:
إلى أخي وحبيبي ورفيق الدرب في العذاب.. تحية طيبة
سبق لي وقد قررت أن لا أنشر نصا إلا بعد عشرة أيام من آخر نص لي منعا للمزاحمة مع أخواني وأمامي قصيدة جمال وبعدها قصيدتك فسوف تتأخر الرد عليك في النشر ولكنني أهديك الرد قبل نشره لعلك تجد فيه ما يعيق نشره حتى أغير ما تراه..
وقد ضمّن رسالته قصيدة رد السلطان على المواطن، والتي تم نشرها في فجر يوم 20/10/2009 ، وهي التالية:
رسالة ولي الأمر
إلى الشاعر نبيه السعدي
عبد الرسول معله
تمكنا بعد جهد متعب من الاطلاع على الرسالة التي أرسلها السلطان ـ حفظه الله ورعاه ـ سرا إلى الشاعر نبيه السعدي الذي حاول إخفاءها خوفا من غضب السلطان
قلْ يا نبيهُ ابنَ النبيهِ رسالة ً
هيَ للشكاوي والحقيقة جامعه
فلقد أمرتُ بـِطانتي أن يخزنوها
في الرفوفِ الضائعه
أحسنتَ إذ أرسلتـَها سرّاً إليّ
ولم تكن عند البريةِ ذائعه
لا تشكُ من همٍّ تؤججه
النفوسُ الطامعه
وأطعْ وليّك أينما ذهبتْ به
شهواتـُهُ المُتسارعه
هو خيرُ من ملكَ البلادَ فلا تقضَّ مضاجعه
يكفيكَ منهُ تسامحٌ وحباكَ أرضاً واسعه
أوَلم ترَ الشعراء والأدباء
بين يديهِ ظلت راكعه
كم عاقل ٍيطوي على الألم ِالمرير أضالعه
لا يشتكي برداً ولا حراً يرقـّع عيشهُ
بالأمنياتِ الخادعه
ويقولُ إنَّ وليّنا ـ رحم الإله مراضعه ـ
حفظ البلادَ من التدهور والضباع الجائعه
****
من أنت حتى تشتكي
فأنا الذي أبني القصور لأمتي
حتى تقولوا رائعه
وأنا الذي قومت سيرَ الجامعه
وأنا الذي لولاي كانت فاجعه
ألقيتُ في ظلم السجون جماعة
كانت لأصوات الحقيقة رافعه
وأذنت للجلاد أن يكوي لكل معارض
ومنافس جلدا ويقلع بالحديد أصابعه
فأنا ولولا حنكتي بسياسة
هي للعدو مصانعه
حتى أنالَ شفاعة
عند الكبير وأستدرُّ صنائعه
بعنا له بعض التراب ليبتني
ما بيننا كل القواعد كي يصدَّ
الحالمين إلى الكراسي الرافعه
فاسكت وإلا في غد
سترى القيامة طالعه
تحياتي ومودتي
تغمّد تعالى الفقيد برحمته.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.