احتضنته . قربته من صدرها . ضغطته برفق حتى صار ملاصقا لصدرها. قربته من وجهها ، تشممت شعر رأسه الأغبرالمشعث حتى بدت أنها قد سكرت.
كان يقترب من السادسة . أمامه شهران ويدخل مدرسة " شمس الفتوح " الابتدائية . ابن خليل الفران الذي لم ينتعل حذاءا ولا صندلا ، لذلك تركت قدماه أتربة قليلة عند مدخل البيت.
كانت أمه قد أرسلته ليحضر " القفص " المصنوع من الجريد بعد أن تأخرت الست نظلة عن إعادته.
تملص الولد ، وابتعد عنها ، فهو لم يتعود على تدليل أحد . تضربه أمه يوميا بالشبشب لأنه يضيع النقود التي ترسله بها ليشتري لوازم البيت، ويصرخ أبوه في وجهه كلما رآه منكبا في زاوية من الفرن يلعب بالنحلة الدوارة.
إنه في بيت زوجة عمدة " الوسطاني " . لا يعرف أحد من أسرته أنه سيلحس قطعة الجيلاتي بعد دقائق ، وان الست نظلة ستنفحه قطعة نقود فضية . تدخل حجرة مغلقة الباب ، ترجع والدموع تتساقط من عينيها . تتدخل عمتها ، تنهر الولد : انزل يابني ، حرام عليك.
تربت على كتف المرأة الباكية : يكفي هذا.
ومن عبها تخرج نظلة منديلا ، تمسح به دموعها ، وتعود لتحتضن الولد القصير الذي يتلذذ بحلاوة الجيلاتي . تبعده العمة .
حين يعود لأمه المشغولة بعجينها اليومي تلطمه على وجهه لأنه تأخر في جلب قفص الجريد : إياك تموت يا ابن الكلب وتحصل ابن نظلة !