فجأة شعرت بدورة حياتي تتوقف ، غربان الليل تحيطني بأجنحتها السوداء ، الهواء مصلوب على الجدران لا يتحرك ، تحاول أنفاسي الوصول إليه فلا تستطيع ، كلما توثــّبَ صوتي كان يصطدم بحائط الصمت فيرتدُّ منكسراً خائباً وحزينا ً ، فتهمس الشفاه : حان موعد الرحيل فأستعدي ، ترتفع السبابة ناطقة وجوارحي بالشهادة ، فجأة يعلو نبض قلبي صارخاً .. صرخة أفزعت كل الغربان ، اهتزت لها أركان كياني ، بعد مكابدة وعناء حررت الهواء من قيده ، أتاني مسرعاً ليعانق رئتيَ .. يقبلهما قبلة الحياة ، استنفر دمي جنوده المتحفزين ليتراصوا حائط دفاع يرد كيد ذلك الفيروس ويلجم غزوه . فتنتشر في كل الأوردة والشرايين تتعقب آثار فلوله عنه ، ثم بدأت فراشات روحي تحلق معلنة التمرد على السقوط في براثن هذا العدو الآثم فلا تستسلم ، أستجمع كل قواي ... أهم بالنهوض ... محاولة إثر محاولة ... الضعف يغشى همتي ... يدب في أوصالي ، لكن إيماني يمدني بطاقة تعينني على البقاء وترويني بالأمل ، تطوف عيناي في كل اتجاه بحثاً عن خلاص ، تنهمر الدموع رغم محاولاتي الخائبة باحتجازها ، صوت أمي يفوح من حيث هي راقدة تناديني بحنان وشوق وأنا مفعمة بالشوق لها ، يهفو قلبي للقائها، تتنازعني رغبة الحياة ورغبة وصالها ، لكن صوتها يمدني بالعزيمة للبقاء إلى ساعتي المكتوبة ، فينتفض كياني وتصحو أزهاري بعد هزال وذبول كاد يؤدي بها إلى اليباس ، يتغمدني الدفء بعد صقيع صفـّدني وألقاني طريحة الفراش .
روح أمي ... صوتها وأنفاسها تدثرني ... تبعث فيّ روح الصمود والقوة
أعود واقفة صامدة بوجه الريح والعاصفة .
أمي التي احتضنتني في هذه المحنة وكانت تقرأ آيات القرآن وهي تمسح جبيني بحنان وتقبض على يميني بدفء طافح ، بعدما منّ الله عليّ بالشفاء وتنفست الصعداء ألتفت حولي بحثاً عنها فلا أجدها
ربما عادت إلى حيث استقرت منذ أمد
ولكنَّ روحها وكل ما فيها من نور ورحيق ساكن ٌ في َّ بكل أرجاء كياني ومستقر في وجداني
ألوذ بقلمي بعد شفائي لأخط سيرة الساعات ( العصور ) التي قضيتها تحت وطأة السقم والإعياء ولسان حال كل جوارحي وحروفي يقول : الحمد لله رب العالمين على كل حال ، ما أوهن الإنسان وما أضعفه ، وما أحوجه لعناية الله وكرمه في كل حين .
** منى غنيم **
بعض النّصوص نقرؤها بنزف يضاهي نزفها
لمّا نروم أن نكتب تعليقنا عليها تأخذنا الدّهشة والحيرة في اختيار مايليق بها بعمقها وصدقها.
صديقتي منى شوقي غنيم
نصّك رائع بما فيه وأروع ما فيه روح هذه الأمّ الطّيبة النّقيّة التي بثّت في نفس الذّات الكاتبة الإشراقة والأمل والتّشبّث بالحياة
أجدني فعلا عاجزة عن تسريب ما تسرّب لعمقي ولرهافة حسّي من مشاعر ومن تمازج مع كلّ نوابضك في هذا النّص الرّائع على شجنه
رحم اللّه أمّك الطّيبة ومنحك مزيدا من الصّحة والعافية ...
واسمحي لي أن أقول لك
أبكاني نصّك أبكاني فعلا لأنّه من فصيلة النّصوص الجيّدة الصّادقة التي لا تموت في المتلقي بعد قراءتها .
لروحك باقات
.
كان لصوتك رسالتك الصدى
لم أفتر لحظة ، عزمت وهمتي تتوقد ، أن ألبي ،ها أنا ذاك الذي بعثت في الطلب
أعلم أن الحواجز كثيرة والسدود سميكة ولا قيت من الشدة والعناء ما أجهدني
، فإني عازم غير مرتاب أن أكون عندكم عند حسن الظن
ولصوتكم نعم الصدى أستاذة مني
جميل ما قرأت لكم
تقبلوا مروري وتحياتي