قراءة في قصيدة (اضحكي واسخري)
للشاعر المبدع / العربي حاج صحراوي
المتتبع لشعر العربي حاج صحراوي ، سيجد الشاعر يلتقطُ مشاهدَ قد يراها العابرُ العادي رؤية عادية ، وربما لا ينتبه لها ، وعندما يتناوله الشاعر صحراوي ، يجد نفسه يتأمل المشهد ، ويراقبه بدهشة لنظرة الشاعر الثاقبة الفاحصة ...
هنا الشاعر يوجه نقدا لاذعا ً ، والنقدُ حملَ رسالتين ، رسالة للمرأة التي تدّعي الشعر ، ورسالة لأولئك الذين يُصفقون ويهللون لها ..وهنا نجد رسالة سامية أرادها من خلال قصيدته الساخرة ، ودعوة للقاريء أن يقرأ النص بلا هويّة ..يقرأ النصّ لأجل النص ...ولعلّ من يرتادون الأمسيات الشعرية يشاهدون واقع القصيدة التي نحن بصدد تقديم قراءة لها ...
والشاعر هنا له وجة نظر ورؤية حول هذا الموضوع ..نحاول أن نقترب من قصيدته حتى نتعرف على ما يجول في فكره الرحب ونظرته الشاملة الشمولية الفاحصة ...
استهلّ قصيدته بعبارة : (هم كثير يحكمون لك بمجرد أنك أنثى )
هم / وهنا إشارة للرسالة الثانية في قصيدته ، الجمهور المصفق .
لك / الرسالة الأولى التي حملت الخطاب المباشر لكل مخدوعة بما تكتب .
شـــــــــــاعرةٌ أنتِ ولا مِن أحَدِ
و الشعْرُلا يَهُمُّ قبلَ الجــــــــــسَدِ
شاعرة ٌ أنت ...هنا لا يقدم الشاعر شهادة منه بشاعريتها ، بل نراه يستهل القصيدة بأسلوب التهكم ، والسخرية ، حتى أنه يخاطبها ويقول لها : لا شاعر سواك ...والسبب في شاعريتها ليس ما تكتبه ، فلا قيمة للشعر في حضرة الجسد .
وهلْ هُنا غيرُكِ منْ أمـــــــــيرةٍ
شاعرةٍ أديــــــبةٍ في بلَـــــــدِي؟
ويستطرد في الفكرة الأولى ، وهنا الإستطراد توضيح وتعميق وتجذير لرؤيته ...وهنا لم يختتم الشاعر هذا البيت بعلامة التعجب (!) في الوقت الذي ترك علامة الإستفهام متسائلا : هل هناك غيرك من شاعرة في بلده ..وهو سؤال لم يرد في معرض الإستنكار بل جاء في معرض السخرية من واقع ومشهد لم يرض عنه الشاعر ولم يقبل به ....
فلا تخافِي إنْ أتيتِ مَحْــــــــــفَلاً
ليس أمامَ الشمسِ مِن مُــــــنتَقِدِ
وهنا نرى الشاعر يظهر في صورة الشخص الذي يقدم لها الطمأنينة ، حين تتوجه لأمسية شعرية ، لا تشغل بالها في النقد الذي من الممكن أن تتعرض له...وهنا يعزز النظرة بصورة الشمس التي لا يستطيع أحد أن ينتقدها ، فيشبهها بالشمس إذا حضرت لحفل ..وهنا التشبيه لا للتعظيم في الشأن بل جاء مستنكرا رافضا .
كلُّ القوافي تستَـــــحِي منكِ ولا
قانـونَ حَرْفٍ عنْكِ بالمُـــــــبْـتَعِدِ
لماذا يطمئنها بعدم القلق من النقد ...لأنّ القصائد تخجل منها ، وكل قوانين اللغة قريبة منها ...وليست بالبعيدة ، لماذا استخدم الشاعر الفعل ( تستحي ) ولم يستخدم الفعل ( تخجل ) ربما لو كان الشاعر غير الحاج صحراوي لمررنا مرور الكرام ، ولكن لأن الشاعر صحراوي من خلال تتبعنا لفكره ونصوصه ...نجد في نظرته العمق الذي لا يخلو من الفلسفة والفكر العالي ...فالفعل تستحي ، يقترن كثيرا بالأنثى بينما الفعل يخجل يكون أقرب للرجل ...ولأنّ القصيدة / القافية أنثى ، فنرى أن الشاعر أحسن في توظيف الفعل ( تستحي ) في بناء البيت الشعري .
ماقُلتِه أنتِ جمــــــــــــــيلٌ رائعٌ
ولا تَعارُضٌ مَعَ المُعْـــــــــــــتَقَد
ما قلته : بغض النظر كون ما قلت شعرا أم لا يمتّ للشعر بصلة ، فهو جميل ورائع ...والجمال قد يعمّ ونراه كثيرا لكن الروعة فيها تميّز وتفرد ...فليس كل جميل رائع ..ونلحظ هنا الشاعر يعمد لتعميق الفكرة إمّا من خلال تتابع الصور أو المفردات والمعاني في أسلوب متنامي .
قصيدةٌ واحدةٌ أو قــــــــــــــصَّةٌ
كافيةٌ لِلَّقَــــــــــــــــــ ـبٍ المُعْـتَمَدِ
وهنا استطراد للبيت السابق وكما أسلفنا زيادة في التوضيح ...فما تكتبيه قصيدة / قصة أو ما شابه فهو كافي لتحصلي على اللقب الجاهز المعتمد من قبل المانحين للألقاب .
فلا تخافي كاتِبًا مهما يـــــــــكُنْ
وأنتِ قِـــــــــــــمَّةٌ ولا مِنْ أحَــدِ
والخَوْفُ من واحدةٍ بِــــــمَا لها
إذا أتَـــــــــــتْ سِبـاقَنا مِن عُتُــد
أخطأْتِ أو أسأْتِ مَقصِـــــــــــدًا
لا ، لنْ تُؤاخَذِي ولنْ تُنْــــــتَقَدِي
وهنا يزيد في تقديم الطمأنينة لها ، أن لا تخشى كاتبا ( شاعرا / قاصّا ...الخ ) فأنت قمة ولا أحد يستطيع الدنو والإقتراب من هذه القمة ....
ولكن احذري حضور أنثى أخرى بما معها من عتاد وأسلحة أنثوية ..
واقرأي ما شئت ...أخطأتِ في اللغة أسأت ِ في التعبير لا أحد سينتقدك ...
فائزةٌ بما لديكِ حاضِـــــــــــــــرٌ
مِن أزَلٍ ماضٍ وحــــتَّى الأبَـــــدِ
هي النتيجة الحتمية ...أنّك الفائزة من سالف الزمن وحتى قادم الوقت والأيام ...
هذا نظامُ سيـــــــــــرِنا في أدَبٍ = ليس له مِن مَــــــنطِقٍ أو عَــمَدِ
لوترَكوكِ كنتِ أقوَى خُــــــــطوةً=وزدْتِ في جَنيِ المُنَى منْ مَــــدَدِ
فأنتِ نجمةٌ بفيــــــــــــض قُدْرَةٍ = في الفكرِوالإحساسِ لا بالجـسَـدِ
وهمْ أساؤُوا أدَبا إذْ أحسَــــــنُوا = فَيَا لَهُمْ ّ خَلْقٌ كَثـــــــــــير العَدَدِ؟
وهنا الشاعر يختتم القصيدة ، في تشريح المشهد الأدبي المُعاش ، ونحسّ بحسرةٍ ومرارةٍ في نفسه ..حين يتحدث عن الواقع الذي فيه غابت النظرة الصحيحة للأدب والشعر ، النظرة المبنية على موضوعية وتقوم على أسس أدبية سليمة ...
الشعر الذي يريده هو البعيد عن المجاملة والمُداهنة ، الشعر الذي له أسس وقواعد وأنظمة تحكمه ، وأن لا يكون الحكم على النص الأدبي بالنظر لإسم الكاتب / الشاعر ...بل هي رسالة أن نحكم على النص من خلال النص فقط ....
وأن لا يكون حُكمنا على النص الذي تكتبه الأنثى ومقاييس الحكم قوامها وجمالها وجسدها ...
وهنا يوجه الشاعر رسالة لهؤلاء بأن يتركوا المرأة تكتب من أجل الكتابة ...وأن نوجه لها النصح والإرشاد من خلال كتابة لغة سليمة ...نقدّم النقد البنّاء ...فجمالك يكون بإحساسك لا بجسدك ، برقي عقلك وفكرك لا بقوامك الممشوق وأنوثتك ...
الشاعر الرائع / العربي حاج صحراوي ...مفكر وفيلسوف ، يكتب الشعر الجميل العميق الذي غالبا ما يحمل الرسالة الإنسانية والأدبية ، يُجيد النقد من خلال كتاباته المتميزة ...
هنا مررت وحاولتُ تقديم قراءة لقصيدة رائعة نظما ومعنى وبناء وصورا ...اعتمد الشاعر فيها أسلوبا سلسا سهلا ممتنعا يتماشى مع الفكرة المنشودة ...