بكائية
للشاعر السويدي توماس ترانسترومر
ترجمة نزار سرطاوي
وضع قلمه جانباً.
ما يزال ملقىً على الطاولة.
ما يزال ملقىً في حجرة خاوية.
وضع قلمه جانباً.
هناك الكثير مما لا سبيل إلى كتابته ولا إلى إبقائه صامتاً!
شيءٌ ما يحدث في مكان بعيدٍ يصيبُهُ بالشلل
رغم أنّ حقيبةَ السفر تنبضُ مثل دقّاتِ القلب.
الصيف في أولّه في الخارج.
من الخُضْرةِ تنبعثُ أصواتُ صفير –- أرجال أم طيور؟
وأشجار الكرز المزهر تعانق الشاحنات التي تعود إلى البيت.
تمر أسابيع.
الليل يأتي بطيئاً.
والعث يستقر فوق إطار النافذة :
برقيات صغيرة شاحبة يرسلها العالَم.
-------------------------------
يعتبر الكاتب والشاعر والمترجم السويدي توماس ترانسترومر، الذي حاز على جائزة نوبل للأدب لعام 2011 واحداً من أهم الكُتّاب الاسكندنافيين منذ الحرب العالمية الثانوية. وقد استخدم ترانسترومر في أعماله لغة الحداثة والتعبيرية – السريالية لشعر القرن العشرين وعمل على تطوير هذه اللغة. وتتميز قصائدة بسهولتها حتى في الترجمة. وتتحدث هذه القصائد عن الشتاء السويدي الطويل وعن الجمال الآسر للطبيعة والطقس. وتشي صوَرُهُ – التي تبدو بسيطة وتهتم بالحياة اليومية والطبيعة على وجه الخصوص – برؤية صوفية في نظرته إلى الجوانب الكونية للعقل البشري.
ولد ترانسترومر في 15 نيسان/أبريل عام 1931. تلقى تعليمه الثانوي في المدرسة اللاتينية سودرا في العاصمة السويدية ستوكهولم. درس علم النفس في جامعة ستوكهولم وتخرج منها في عام 1956. بدأ الكتابة وعمره لا يتجاوز ثلاثة عشر عاماً، ونشر مجموعته الشعرية الأولى"سبعة عشر قصيدة" في عام 1954. ونشر مجموعته الأخيرة "اللغز الكبير" في عام 2004. كما نشر سيرة ذاتية قصيرة بعنوان "الذكريات تراقبني" في عام 1993.
يرتبط ترانسترومر مع الشاعر الأميركي روبرت بلاي بعلاقة صداقة حميمة. وقد نشرت مراسلاتهما في كتاب بعنوان "البريد الجوي."
في عام 1990 أصيب ترانسترومر بسكتة دماغية أثرت في قدرته على الكلام. لكنه ظل يواصل الكتابة. وقد حاز قبل جائزة نوبل على العديد من الجوائز الهامة. وترجم شعره الى أكثر من ستين لغة.
علاوة على عمله ككاتب، عمل ترانسترومر قبل إصابته بالجلطة كطبيب نفساني. وقد تركز عمله في سجون الأحداث وكذلك مع المعوقين والمحكومين ومدمني المخدرات. كما انه يعزف على البيانو، وقد استمر بالعزف حتى بعد إصابته بالجلطة، ولكن باستخدام يد واحدة فقط.
تخوض مركبة الشحن بعربتها المقطورة خلل الضباب،
و عبر ظل كبير ليرقة يعسوب في عَكَر قعر البحيرة.
تلتقي المصابيح الكشّافة في غابة تندى قطراتٍ.
لا يقدر المرء على رؤية وجه إنسان آخر.
نهر الضوء يتلاشى في إبر الصنوبر.
نأتي مركبات ِ ظلال من كل الجهات في الأصيل،
نهيم ُ وراء بعضنا ،
بجنب بعضنا،
ننساب إلى الأمام،
في جرس إنذار خافت.
خارجا،
في الأرض السهلية حيث الصناعات تحضن،
وتنخفض المباني بمقدار ملليمترين كل عام---
تبتلعهن الأرض بهدوء.
أيدي غير معرَّفة الهوية،
تترك آثارها على المنتجات الأكثر بريقا، و التي يُحلم ُ بها هنا.
والبذرة تسعى إلى الحياة في الإسفلت.
لكن قبل كل شيء ، إن شجرات الكستناء كئيبات ، و كأنهن هيّأْن تفتق قفازات من حديد،
بدلا من اسطوانات بيضاء،
وخلفهن غرفة موظفي الشركة – أنبوب نيون معطل، يغمز ومضات ِ.
هنا ، ثمة باب سري. فافتحْ!
وانظر ْ في المنظار المقلوب إلى الأسفل،
باتجاه الفوهات،
نحو الماسورات العميقة،حيث الطحالب تنمو مثل لحى الموتى،
وينسل العامل المنظف في ثيابه المفصلة من المخاط،
بأنفاس سباحة واهنة ،
في مسيره إلى الاختناق.
ولا أحد يدري كيف سيسير هذا الأمر،
سوى أن السلسلة تنقطع ،
وتعود تلتحم باستمرار.
2
Allegro
معزوفة شديدة العجلة
أعزف " هايدن" بعد انقضاء يوم اسود،
واشعرُ بدفء ضئيل في يدي.
الأزرار تبغي المزيد والمطارق اللطيفة تأخذ بالطَرق.
الرنة خضراء، مفعمة بالحيوية، و هادئة.
تقول الرنة إن الحرية متوفرة،
وإن ثمة من لا يدفع الضرائب للقيصر.
أدخل يدي إلى الأسفل في جيوبي "الهايدنية"،
وأحاكي شخصا يرنو إلى العالم بهدوء.
أرفع الراية الهايدنية - ما معناه:
"إننا لن نستسلم، بل نريد السلام".
إن الموسيقى بيت زجاجي على السفح،
حيث الأحجار تطير ُ، و تتدحرج.
وتلتف ّ الأحجار على بعضها بعضا باستقامة،
لكن أخيرا كل َّ جدول يغدو كلّا .
تخوض مركبة الشحن بعربتها المقطورة خلل الضباب،
و عبر ظل كبير ليرقة يعسوب في عَكَر قعر البحيرة.
تلتقي المصابيح الكشّافة في غابة تندى قطراتٍ.
لا يقدر المرء على رؤية وجه إنسان آخر.
نهر الضوء يتلاشى في إبر الصنوبر.
نأتي مركبات ِ ظلال من كل الجهات في الأصيل،
نهيم ُ وراء بعضنا ،
بجنب بعضنا،
ننساب إلى الأمام،
في جرس إنذار خافت.
خارجا،
في الأرض السهلية حيث الصناعات تحضن،
وتنخفض المباني بمقدار ملليمترين كل عام---
تبتلعهن الأرض بهدوء.
أيدي غير معرَّفة الهوية،
تترك آثارها على المنتجات الأكثر بريقا، و التي يُحلم ُ بها هنا.
والبذرة تسعى إلى الحياة في الإسفلت.
لكن قبل كل شيء ، إن شجرات الكستناء كئيبات ، و كأنهن هيّأْن تفتق قفازات من حديد،
بدلا من اسطوانات بيضاء،
وخلفهن غرفة موظفي الشركة – أنبوب نيون معطل، يغمز ومضات ِ.
هنا ، ثمة باب سري. فافتحْ!
وانظر ْ في المنظار المقلوب إلى الأسفل،
باتجاه الفوهات،
نحو الماسورات العميقة،حيث الطحالب تنمو مثل لحى الموتى،
وينسل العامل المنظف في ثيابه المفصلة من المخاط،
بأنفاس سباحة واهنة ،
في مسيره إلى الاختناق.
ولا أحد يدري كيف سيسير هذا الأمر،
سوى أن السلسلة تنقطع ،
وتعود تلتحم باستمرار.
2
Allegro
معزوفة شديدة العجلة
أعزف " هايدن" بعد انقضاء يوم اسود،
واشعرُ بدفء ضئيل في يدي.
الأزرار تبغي المزيد والمطارق اللطيفة تأخذ بالطَرق.
الرنة خضراء، مفعمة بالحيوية، و هادئة.
تقول الرنة إن الحرية متوفرة،
وإن ثمة من لا يدفع الضرائب للقيصر.
أدخل يدي إلى الأسفل في جيوبي "الهايدنية"،
وأحاكي شخصا يرنو إلى العالم بهدوء.
أرفع الراية الهايدنية - ما معناه:
"إننا لن نستسلم، بل نريد السلام".
إن الموسيقى بيت زجاجي على السفح،
حيث الأحجار تطير ُ، و تتدحرج.
وتلتف ّ الأحجار على بعضها بعضا باستقامة،
لكن أخيرا كل َّ جدول يغدو كلّا .
شكرا لك استاذ هذه القصيدة.. فمجلة العربي بعددها الأخير ورغم الملف الواسع عن صديقنا ترانسترومر لم ( تطعمنا شيئا ) من حلوى قصائده كما فعلت
تحيتي لك
الأستاذة الراقية كوكب
أنا في الحقيقة كنت انتهازياً. فما كاد فوزه بنوبل يعلن حت بادرت فترجمت له مجموعة من القصائد ونشرتها في مواقع متعددة، كما ترجمت له مجموعة من قصائد الهايكو، وسأنشرها هنا أيضاً ليطلع عليها من يرغب.
وكذلك فعلت حين أعلن عن فوز الشاعر التشيلي نيكانور بارا بجائزة سير فانتس.
مودتي واحترامي سيدتي