حـنان
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ليلى بن صافي
حنان فتاة في مقتبل العمر.
سبحان الخالق الذ جعلها تسحر الناظر بما منَّ عليها من جمال .. تخالها شخصية من شخصياتك الخيالية وهي تنثر إبتساماتها هنا وهناك غير آبهة بما يحيط بها من فاقة وفقر ويتم.
ماتت أمها وهي لا تزال رضيعة .. فقرّر والدها تقديمها إلى خالتها مع بعض أغراض المرحومة .. لتتعهد برعايتها.
استقرت ببيت الخالة ، التي لا تقلّ عنهم فقرا .
وهكذا نشأت بين أحضان خالتها وأبنائها الأربعة .
لا تنكر حنان أنّها نالت من العناية والدفء ما لم تنله في بيت أبيها وزوجته التي لم تفكر يوما بزيارتها بين الحين والحين .. رغم أنّ البيت لا يبعد كثيراعن بيت خالتها .
لا أحد كان يشعر بما تعانيه (حنان ) من فقدان صدر دافئ تلجأ إليه كلّما ضاقت بها الدنيا .. فكرّست كل وقتها للدراسة والمطالعة فشبّت فتاة شغوفة بالعلم خلوقة حالمة بمستقبل جميل زاهر يغيّر مسار حياتها .
جاء اليوم الذي كانت تنتظره ،اليوم الذي إعتبرته بوابة نجاحها وتحقيقها لأحلامها ،إنّه نجاحها في شهادة التعليم المتوسط وإنتقالها إلى الثانوية .ما فكّرت حنان قط في إنتقالها إلى مؤسسة تعليمية جديدة قدر ما فكّرت في إنتقالها إلى عالم جديد ما عرفت عنه غير ما عرض على التلفاز .بالفعل أحسّت ببعض الخوف وهي الفتاة القروية التي لم تبرح قريتها أبداً وجالت بخاطرها أسئلة عدة : هل سيتفهمون سلوكها؟هل ستبدو غريبة عنهم؟ هل سيتقبلونها؟هل ستجد الصديقة التي طالما حلمت بها؟
وهكذا سجّلت حنان بقسم «الجذع المشترك آداب»وبفضل سلوكها الطيب ونبل أخلاقها إستطاعت وفي فترة وجيزة أن تكسب حب الكثرين من الزملاء والأساتذة .
وشيئا فشيئا عرفت حنان كيف تعتمد على نفسها وتسير قدماً نحو تحقيق أحلامها لتعود إلى قريتها مرفوعة الرأس .. تدافع عن حقوقها وحقوق المظلومات من النساء أمثالها .
أذكر مرة كنت واقفة في فناء الثانوية أتحدث مع زميلة لي لم أرها منذ أن تمتعت بعطلة الأمومة .. وبينما نحن منغمستان في أحاديث نسائية إذا بحنان تقف أمامي ، لتقدم لي ورقة .. أخدتها منها وشكرتها دون تفكير،إعتقدت أنّها ورقة أسقطتها وأنا بقسمهم أو ربما محاولة قصصية جاءتني بها لأبدي رأيي بها كما اعتدت ذلك مع باقي التلاميذ .. فوضعتها بمحفظتي وأكملت حديثي دون أن أنتبه لحنان التي لم تكن كعادتها مبتسمة .
كان تصرفها غريباً .. ألأمر الذي هيّج فضولي لمعرفة محتوى الورقة المُحكَمة الإغلاق.
دخلت الحصة الموالية وأخذت الإحتمالات مجراها من مخيلتي رغم أنني حاولت إبعادها حتى لا ينتبه التلاميذ إلى قلقي وإنشغالي عنهم واستغفرت وتعوذت بالله وعدت إلى الدّرس ذهنا وجسدا إلى أن دقّ الجرس فجمعت أدواتي وأسرعت بالخروج صوب قاعة الأساتذة حيث أخذت مكانا بعيدا عن الجميع وأخرجت الورقة من محفظتي فكانت كما اعتقدت رسالة تقول فيها:« أستاذتي الغالية يا وجه أمي الذي ما رأيته قط ،كم تمنيت أن أعانقك وأبكي بحرارة على صدرك لأطفئ نيران شوقي .. آه كم أفتقدها .. في هذه الأيام بالذات .. طرقت كلّ الأبواب وماأظنّها فاتحة إلاّبابك .إسمعيني عزيزتي ثم احكمي وأنيري لي طريقي فما عدت أرى غيرالظلام....»دق الجرس فطويت الرسالة وخبأّتها بجيبي والفضول يقتلني لمعرفة ما أرادت حنان قوله وماالسّر في هذه النغمة الحزينة المغمّسة في الحنين والأشواق المكبّلة بقيود اليأس.
دخلت الحصة وحمدت الله أنّها نشاط تحرير موضوع داخل القسم ) حتى لا أتكلف وزر الشرح وذهني عالق برسالة حنان الغريبة وواصلت القراءة:«....هذا الظلام الذي أعجزني عن التفكير .وأكيد أنّكم تساءلتم عن سبب تراجعي في الدراسة وأنا التي ما عرفت ضعفا في أيّة مادة من المواد . أستاذتي الفاضلة لا أطيل عليك وأنت والله لا تستحقين إلاّ خيرا(يا أم الجميع) هي ذي حكايتي مع الألم:في يوم من الأيام وأنا في طريقي إلى الثانوية بالحافلة التي اعتدت على ركوبها .. وبعد أن جلست بالمقعد الاخير - كعادتي - لست أدري ماذا أصابني أحسست بألم شديد برأسي وفجأة سمعت صوتا رقيقا يخاطبني : هل أنت متوعكة ، كان صوت شاب بالمقعد المجاور لمقعدي فأجبته :إيه والله رأسي يكاد ينفجر .. وإذا به يخرج علبة صغيرة ويمنحني منها قرصا قال أنّه يسكّن الوجع ويهذأ الأعصاب تناولته منه شاكرة صنيعه . وصلت الحافلة فهممت بالنزول وإذابه يخاطبني ثانية:« هل أراك مرة أخرى »وأعطاني العلبة فودعته بقولي :لنترك لقاءنا للصدفة وانصرفت دون أن أنظرإلى الخلف .
دخلت إلى الثانوية مسرعة حتى لا تفوتني الحصة الأولى وأنا لست أنا ،غريب أن لا يحس الإنسان بوجوده .. هذا ما حدث معي و كلّما أحسست بألم برأسي أتناول قرصا حتى أصبحت مدمنة على تلك الاقراص . وحدث ذات مرة أن أحسست بألم مميت فأسرعت إلى حقيبتي باحثة عن منجدي ومخلّصي من الوجع .يا إلاهي نفذت كلّ الاقراص فخرجت من الثانوية باحثة عن الشاب الذي لا أعرف عنه إلاّ انّه يركب نفس الحافلة ليعود إلى القرية بعد إنهاء عمله _ كما قال_ انتظرته بموقف الحافلة طويلا حتى أصبحت حديث المارة وفجأة لمحته من بعيد ،ليتك تتصورين كيف كان إحساسي وكأنني أنتظر عزيزا لم أره من مدة ،ألقى التحية ولكنني أنا هذه المرة من كانت شغوفة بالحديث معه ركبنا معا الحافلة وجلسنا جنبا لجنب ورأيته كتوما قليل الكلام وكأنّه كان يعرف أنّي انا هذه المرة من تحتاجه وسألته عن مصدر تلك الأقراص وكيف أحصل عليها فرد عليّ بأنّها غالية الثمن ، وهكذا بدأت رحلتي مع المخدِرات و أصبحت أستعمل كلّ الوسائل للحصول عليها.هي ذي حنان الآن فهل تساعدينني ؟و هل نظرتك إليّ تبقى هي هي كما كانت؟»وختمت رسالتها بقولها حنان التى ستبقى تحبك مهما كان ردّك.
دقّ الجرس فخرجت من القسم بعد أن جمعت أوراق التعبير ولكن هذه المرة لم تكن وجهتي قاعة الأساتذة بل منزلي وقد كان زوجي خارجا بإنتظاري ،ركبت السيارة ولم أصبر على مفاتحته بالموضوع وخاصة أنّه كان أنذاك مستشارا للتوجيه المدرسي بالمؤسسة ،علّه يساعدني ويشير علّيّ برأي سديد ،وبالفعل طمأنني ورأى أن أبعث له بحنان إلى مكتبه غدا صباحا ليجري معها لقاء يستقرئ فيها أفكارها ويعرف إلى أيّ حد من الخطورة بلغت مشكلتها.وبالفعل أطلعت حنان على إتفاقي وزوجي لمساعدتها وسألتها إن كان لها وقت فراغ تقصد مكتب مستشار التوجيه كما نصحتها أن لا تخفي عنه شيئا وتبوح له بكل ما يثقل كاهلها وعليها أن تثق به كلّ الثقة . وبعد أن أجرى زوجي اللقاء مع حنان عرف أنّ مشكلتها ليست بالبساطة التي نعتقد ويتطلب الأمر استشارة الأخصائية النفسية والتي رفضت تحمل المسؤولية وقرّرت إطلاع المدير بالأمر .حاولت معها حفظ السّر وتحمل مسؤولية مساعدة حنان ، ولكنّها رفضت ولا ألومها ولها أسبابها ووجهة نظرها .وهكذا أطّلع المدير على الامر واستدعى في الحال والد حنان ،وقرّر المجلس التأديبي فصل حنان من الدراسة.
رجعت حنان إلى قريتها بخفي حنين وهي ترى أمام عينيها أحلامها تنهار الواحدة تلو الأخرى.
ورغم محاولتي المتكررة في الإتصال بها ومعرفة أخبارها إلا أنها باءت بالفشل لأن خالتها منعت عنها الزيارة .حاولت وحاولت دون جدوى حتى قطعت الأمل ولم تعد قصة حنان إلاّ ذكرى مؤلمة .و أصبحت أسأل عنها كلما صادفت شخصا من قريتها.ومرّت الساعات وتلتها الأيام والشهور والسنوات وانطوت صفحة حنان .ومرة كنت جالسة بقاعة الأساتذة سمعت الحاجب يسأل عنّي وهو يحمل رسالة بين يديه ،أخذتها منه شاكرة إياه وما إن فتحتها طرت فرحا،كانت حنان تخبرني أنّها أنجبت طفلة سمتها ليلى.
نص مرسوم بلغة السهل الممتنع القريب من الذائقة القرائية للنص المحكي
ورغم ابتعاد الكاتبة عن الوصف المكاني إلا أنها استطاعت أن تصوّره لنا من خلال السرد.
انساب النص بسهولة ، وبتدرج لاغرابة فيه .. حتى لحظة تسلم الرسالة التي كنت أتمنى أن تكون
هي بداية النص ، ومن ثم العودة ( فلاش باك ) إلى بعض التفاصيل.
لكن النص جميل جداً ، وباللحظة التي شعرت بها أن النص انتهى ، فإذا بليلى تفاجئني بخاتمة رائعة.
تحية لك سيدتي الندية ، وشكراً لإمتاعنا بحكاية تنطوي على عِبَر.
لك محبتي.
نص مرسوم بلغة السهل الممتنع القريب من الذائقة القرائية للنص المحكي
ورغم ابتعاد الكاتبة عن الوصف المكاني إلا أنها استطاعت أن تصوّره لنا من خلال السرد.
انساب النص بسهولة ، وبتدرج لاغرابة فيه .. حتى لحظة تسلم الرسالة التي كنت أتمنى أن تكون
هي بداية النص ، ومن ثم العودة ( فلاش باك ) إلى بعض التفاصيل.
لكن النص جميل جداً ، وباللحظة التي شعرت بها أن النص انتهى ، فإذا بليلى تفاجئني بخاتمة رائعة.
تحية لك سيدتي الندية ، وشكراً لإمتاعنا بحكاية تنطوي على عِبَر.
لك محبتي.
شهادة من قبلك سيدي الفاضل أعتز بها
وأنا في حضرة الرجل المذواق
صاحب الكلمة الدقيقة الضاربة في عمق الفكرة
والروح البصيرة
شكرا شكرا
ليلى
جميل أن تكون المهنة رافدا إنسانيا يتيح للمبدع أن يقدم من خلاله نماذج حية بآمالها وآلامها
بأحلامها وانكساراتها وهذا ليس بالأمر السهل
سرد حكائي سلس وممتع
ارتأيت أن أنقله إلى قسم الحكاية
لتأخذ اليوميات مكانها هناك
تقديري الكبير ومحبتي
جميل أن تكون المهنة رافدا إنسانيا يتيح للمبدع أن يقدم من خلاله نماذج حية بآمالها وآلامها
بأحلامها وانكساراتها وهذا ليس بالأمر السهل
سرد حكائي سلس وممتع
ارتأيت أن أنقله إلى قسم الحكاية
لتأخذ اليوميات مكانها هناك
تقديري الكبير ومحبتي
إن كنت مصيباً فعلى مشرفي السرد نقلها للقصة والا فلا
وبالحالتين سعدت بقراءتها
تحية تليق
تحية عطرة أيّها الفاضل
ورأيت أنا الرأي نفسه لانها تحمل كل مقومات القصة من سرد ووصف وحوار
ولا يخلومنها لا زمان ولا مكان
ضف على ذلك إحتواء النص على العقدة والحل والشخصيات بما فيها من محورية وثانوية
فهي إذن مكتملة الحبكة الفنيّة
ولهذا سجلتها بالقصة
وكان للأخت سولاف رأيا آخر فقلت في نفسي ما دمت حكيتها لكم فهي حكاية إن شئتم
تقديري لك سيدي