(( و ... للنسور انتحار))
============== مشتاق عبدالهادي
... وكان الصوت رخيماً, عواء حاد تصادم كصخرة بين حجيرات الوادي العميق, ذئب هرم ما عاد قادراً على سد جوعه الكبير, ذئب ظل شاهراً عمره وجسده في وجه رياح باردة بصفير قاس.
تذكر حادثة النسر العجوز, وتذكر قراره الغريب حين رآه ولم يعرف مغزى هذا الحدث الكبير, إلا من خلال أبيه الذي أخبره يومها بأن النسر العجوز, حينما يفقد القدرة على الصيد, يرتفع عالياً , وعندما يصل إلى أبعد نقطة في السماء, يضم جناحيه فيسقط كصخرة عجوز...!!!
ــ أينتحر النسر يا أبي ...؟.
سنين ولم تصله الإجابة عن هذا السؤال الخطير, وعبر كل هذه السنوات المتخمة بالحزن, التي تعوَّد أن يأتي فيها مع أبيه, إلى قمة هذا الجبل, فيقفان على تلك الهاوية الحادة, التي لم يزرها منذ أن اختفى أبيه.
اليوم وحينما كان يبحث كعادته عن الإجابة وعن مصير أبيه وسؤال الطفولة الأبدي...
ــ أينتحر النسر يا أبي ...؟.
تذكر شيخوخة النسور.. وأبيه, قفز إلى الهاوية واصطدم جسده بالصخور, وقبل أن يلفظ آخر أنفاسه, عرف الإجابة عن ذلك السؤال العنيد.. .
ــ أينتحر النسر يا أبي ...؟.
وعرف كذلك مصير أبيه المفقود, وذلك حين سقط جسده بجانب جسد مهشم يبدو أنه كان لنسر بشري يشبه جسد أبيه.
***
الأستاذ القدير مشتاق عبد الهادي
طابت أوقاتك
دعني أنقلها أولا إلى قسم القصة القصيرة
وأثبتها مع التقدير ثم أعود مرة أخرى بإذن المولى عز وجل
تحياتي وتقديري الكبير
عزيزي مشتاق :
ربما النسور تنتحر حين يشيخ جسدها ولا تعد قادرة على الصيد وهذا قد يكون بفعل الطبيعة لتركيبة الجسد ، وهي إشارة مهمه لشيخوخة
شموخ النفس المتعففه التي تأبى العجز حين تضمحل قواها بفعل الوقت والزمن ، واحياناً تشيخ الروح قبل الجسد في وقت يكون كل ما حولها
غير قادر على منحها ديمومة التواصل بالوصول نحو الهدف وهنا يكون الانتحار قسرياً وقد لا يكون بموت الجسد بل بموت العطاء .
هذه الروح التي تملك عزيزي مشتاق أبية تعشق ارتقاء الأنسان نحوالقمم / تقديري / وقار
أينتحر النسر يا أبي؟
سؤال محوري إذ أنه مهد للحدث وختم به .
قام الكاتب بالنفاذ والولوج إلى عمق واقع قد نتغاضى عنه أحيانا حين نعد أنفسنا في منأى عنه لكننا في حقيقة الأمر نعيش في صميم هذا الواقع لأننا جزء لا يتجزء عنه وقد نقف أحيانا عند نقطة التماس وربما أقرب من الكاتب نفسه لهذا الحدث الذي حاك تفاصيله ببراعة تثبت أن ثمة من ينقب بأظافره بين الحصى والصخور ليعثر على العظام التي لم تعد صالحة إلا أن تكون أساس لعمل إبداعي كهذا الذي قدمه لنا هذا الكاتب الضاربة جذوره في عمق الأرض .
أينتحر النسر يا أبي ؟
جملة تكررت في النص ثلاث مرات لتعطي الحدث هذا الدوي الهائل وهذا المعنى الذي يخبر أن النسور تأبى ألا تكون إلا نسورا إلى آخر رمق في الحياة .
ولقد أوصلنا الكاتب إلى قمة رأس الهرم حين جعل الابن يتسلق قمة ذلك الجبل الذي كان يقف عليه أبيه وكأنه يريد أن يقول أن التاريخ يعيد نفسه وأن الواقع هو الواقع ذاته مع فارق بسيط في شكل ومضمون الحياة وقد بدا هذا المعنى جليا من خلال حادثة انتحار الابن ، وهنا يتجلى معنى آخر أن النسور لا تلد إلا نسورا .
الأستاذ القدير مشتاق عبد الهادي
نص يسطر قصة تاريخ طويل من المجد و العزة والشموخ ، نص يحكي قصة معاناة تبحث عن نهاية تليق .
وإزاء هذا كله لا يسعني إلا الانحناء مطولا أمام هذا الإبداع السامق الذي يليق بفارس من فرسان القصة فهنيئا لنا بك
تقديري الكبير أستاذ مشتاق ومحبتي