أقف على شاطئ البحر
لا أعرف من أين أبدأ وماذا أكتب وانا امتطي صهوة شوقي على وريقات عمري الذي أفل ,,الفراق يقتلع جزءاً مني ليرميني في سجن من عذاب أسواره لوعة البعد والألم ,,اللوعة التي تولد من وفاء القلوب وصدق المشاعر وطهر النفوس في زمان اختلفت فيه القيم وتبدلت المقاييس,يبعثرني الجرح وهو ينزف الى أشلاء ممزقة خاصةً عندما أحاول فتح أبواب الواقع المر بمراره.
وبالرغم ما معي من شقاء قبل أن أضع قلمي وأجهز محبرتي لأتركه يمر على صفحاتي سأمرر أمامي على قرص الشمس بلونه البرونزي وهو يعانق صدر البحر شريط الذكريات بمحطاتها وأيام فرحها, بعذوبتها ولذتها ,وساعات ألمها, بدموعها وغصتها وما حفرته داخلي من تواريخ وأرقام أماكن ,,أماكن البعض منها تنادينا عند المرور وتفتح دفاترنا المغلقة ونتمنى أن تعود بتفاصيلها ولو لحظة فرحة ,,هذه الأماكن احتوت أحلامنا وربتت على حزن الأيام وسترت المشاعر ومنحتنا الأمان والفرح,, وأماكن نتمنى أن يأتي زلزال ليهدها ويمحوها تشعرنا بالغصة تتسلل الى الأعماق عليها نحرت الكثير من المبادئ والقيم وتركت فينا أثراً وجرحاً لا يمكن نسيانه ,,ولحظات ضعف تجعلنا نعتذر لنفوسناعن خطأ أرتكبناه بحقها ,,وأسماء البعض منهم أضاء الشموع وزرع الورد وبنى جسورا من الأمل نتمنى أن يكونوا كل العالم والبعض أطفأها وهو يغرس سهامه بكل خبث كالوحش الكاسر وترك الدمع يحفر أخاديده والعتمة تغلف الطريق ,نعم أسماء تسر النظر ولكنها بنفوس خاوية وقلوب قاسية لا تعرف للرحمة طريقا وضمائر ميتة جعلت كل علامات الاستفهام في حيرة وذهول وهي تتقاطر فنتمنى لو أن الأرض انشقت وابتلعتنا قبل أن نلتقيهم ,فيعتصر العذاب الروح وتخوننا الدموع ونكتفي بأن نلتزم الصمت وننظر بعيداً الى أفق لن يأتي.
لن أحقد على أحد ولن أحاسب أحدا لأن الله موجود وهو يعرف ما في القلوب ونوايا وأحقاد البشر والحساب ليوم الحساب , ولكن ما أبشع الظلم وما أقسى مراره عندما ينال منا بأبشع صوره.
وبعد أن يتوقف الشريط عن الدوران سأصنع من الورود أكاليل وأقدمها لمن رافق مسيرتي بصدق ومد لي يده لينتشلني ويجعلني أواصل طريقي بثبات محافظة على كل ما أملك من معاني وقيم جميلة نعم سأقدمها لأصحاب القلوب البيضاء التي كانت بلسما شافياً لي في شدتي ووحدتي ومعاناتي لمصاعب زماني ووجع قدري,
لكل من كتب لي حرفا وأهداني كلمة,
لكل من مسح دمعتي وربت على ظهري وغرس وردة داخلي وتركها بكل حنان لتتفرع وتكبر ما دمت أتنفس ,
لكل من حاول أن يزرع الابتسامة على وجهي,
لكل من جعلني أمسك بزمام القلم وأكتب وأنا أبحث عن الحقيقة في متاهات الوهم.
فبالرغم من تغير المكان وتبدل الملامح واختلاف الفصول ودوران الزمان إلا أن أحزاني تخترق المعاني وصدري المحترق يشتعل بالأنين والغصة تكتم انفاسي يقتلني الخوف والوحشة والغربة والقلق والأمواج تأخذ بسفينتي يمينا وشمالا والألم ينال مني ولا أعرف في أي اتجاه ستكون وجهة قاربي ولا أي طريق طريقي وعندما بدأت الشمس تتوارى خلف الأفق وضعت وجهي على التراب سجدت لربي طرقت أبوابه لأحمده على نعمة صبري ومقدار تحملي .
وعندما رفعت رأسي والتراب لا زال عالقا على جبيني والطين الممزوج بدموعي على خدي وجدت أنوار القمر الفضية وهي تتساقط على مياه البحر تعانقه كعناق الشمس بكل حب ووفاء انشرح صدري وهدأت روحي.
لن يعيقني بعد اليوم شئ عن مواصلة طريقي مع خالقي سأواصل المسير حتى يصل قاربي إلى بر الأمان.
وأمسك قلمي بكل قوتي ولن أدع يدي ترتجف بعد اليوم وأبدأ بكتابة حروفي لن أنتقي الكلمات ولكني سأتركها تخرج كما هي بدون عناء ولا رتوش بعيدا عن كل شئ لعلني أشعر بالراحة بعد التعب وأصل الى بر الأمان..
عواطف عبداللطيف