الشبيهان
في كل مرة عندما يصل (صباح) الى أطراف القرية المترامية
الأطراف ليصل الى الجدار العازل ما بين قريته أم العوافي
والقرية المجاورة أم الخير كان يتمنى ان يرى الحياة خلفها
فغير مسموح لكل ابناء القريتين التزاور، ولأن الجدار العازل
شاهق الأرتفاع وسميك المتن ، وهناك عُرّف لا يسمح
بالتواصل بين ابناء القريتين ،لم يسطع رؤية القرية الأخرى،
أم العوافي قرية تعيش أكتفاء ذاتي فليس هناك للنقود مكان في
القرية بل تتعامل بالتبادل.
القرية يشطرها الى شطرين نهر ينبع من أعالي جبل يطل عليها
ليضيف لمسة سحرية عليهافي الغسق وعند الفجر،بيوتها من الطين
خلف كل بيت بستان صغير،بساتينها عامرة بالفاكهة وأرضها
خضراء بعشبها الفائق الخضرة،النسوة عند الظهيرة يتجمعن
لغسل الملابس في شريعة النهر الوحيدة معهن القرب لجلب ماء
الشرب،الرجال صباحا مبكرين الى مزارعهم..يعودون مساءً الى
البيوت محملين بخضرة طازجة،السوق الوحيد في القرية يفتتح
بعد صلاة الجمعة للتبادل.
صباح راعي الغنم ينهض مبكرا ليتناول فطوره من كأس الحليب
الطازج وبيضة من دجاجاته وكسرة خبز شعير,يخرج حاملاً ناقوسه
ليعلن تجمّع أغنام القرية للرعي,وهو يدور في أزقة القرية زقاق
زقاق،يأخذها الى أطراف القرية ويتمتع بغداءه ممن حوله من الزرع
وفي جعبته قربة ماء صغيرة مع كسرة الخبز التي لفها في
وصلة قماش، فهو لايسمّن المواشي لمصلحته الشخصية،إنما بفائدة
تعود لكل أبناء القرية،وكثيرا ما أكتفى برأس بصل وكسرة خبز ليسد
رمقه وهو في أوج سعادته،لا يشغل باله شيء بقدر ما يرى القطيع
قد أُتخم،ويعود به مرتاح البال ليضع رأسه على الوسادة ويذهب في
أغفاءة حالمة.
في القرية الأخرى كان فيها كل مظاهر الحضارة من فنادق ومطاعم
وعمارات شاهقة ومترو وشوارع وحدائق وسيارات فارهة وأبراج
ودور سينما ، وكان عامل المطعم(صباح) يعمل بوجبتين ليسد
تكاليف أقساط شراء الشقة وتكاليف للدراسة الجامعية وأجورخطوط
النقل ،أضافة لتكاليف المعيشة اليومية وتكاليف التأمين وأجور
الكهرباء والماء والنت وضرائب البلدية ..كان ينام وكوابيس الأقساط
المطلوب دفعها يقض مضجعه..فكثيرا ما تناول حبة منوم لينام نوما
عميقا لا يمر فيها بسلسلة النوم الطبيعية ليتخلص منها...
في يوم غائم..صادف ان تواجدا الأثنان خلف الجدار العازل بنفس
المكان،وفجأة أرعدت السماء،فضربت صاعقة الجدار العازل وأحدثت
شرخا فيه في نفس مكان تواجدهما،بعد هدوء العاصفة،أنتبه
الأثنان الى الفتحة التي أحدثتها الصاعقة..
نظر الراعي الى الجهة الأخرى،فبهرته الأنوار والعمارات الشاهقة
فتنحى جانبا مغمض عينيه في لحظة انبهار،بنفس الوقت نظر العامل
الى القرية في الجانب الأخر وبهرته الخضرة والبساتين وحياة البساطة
التي بدت ظاهرة من خلال هذه الفتحة على أزقتها وبيوتها
وهنا..التقى الوجهان..فأخذتهما الدهشة..كأن كل منهم ينظر في
المرأة،فهم أقران سناً،وأوجه التشابه بينهم تكاد تكون متطابقة،تجرأ
الراعي صباح وسأل شبيهه:ما اسمك.. أن أسمي صباح..
عقدت الدهشة لسان العامل،وأجابه مرتبكاً..وأنا كذالك..
بعد أن زالت الدهشة منهما،أتفقا ان يتبادلا الأدوار ليجرب كلٍ
منهما حياة الأخر على يمارسا أعمالهم ويعودا مساءً هنا للعودة
لبيتهما،أتفقا منذ هذه اللحظة تنفيذ الأتفاق.
مرَّ يومان على الأتفاق وكانوا يعودان مساءً ليعود كل منهم لداره
وقريته،في اليوم الثالث عاد الراعي صباح الى مكان الثقب في
الجدار بموجب الأتفاق، بعدما سئم من هذه الحياة المتعبة المقيدة
للروح الأنسانية وقرر ان يذهب لشبيهه ليلغي الأتفاق ،صعقته
المفاجأة،الجدار قد أغلق،ووجد ورقة مكتوب فيها:شبيهي العزيز..
أعتذر عن الأخلال بالأتفاق،تنعّم بحضارتي، وأرتضيت
أن أكون بديلك..والى الأبد
القصي....
أيها العبقري ملأت روحي فرحا بما قرأت فلقد اختزلت المعاناة الكونية ببساطة وعذوبة
وما الحضارة إلا ارتقاء النفس وسموّها ونبلها .. ولم تكن الحضارة يوما كما يزعمون ببريستيجات جوفاء وتكنولوجيا ( لا أعني التكنولوجيا بالعموم طبعا بل بالمعنى السلبي لها ) تبعدنا عن إنساننا لتجعلنا نتشيّأ ونفقد صلتنا بأرواحنا وطبيعتنا وطبيعيتنا
لك المحبة والتقدير أخي الغالي أستاذ قصي ..
التوقيع
أنا شاعرٌ .. أمارس الشعر سلوكا وما أعجز .. أترجمه أحرفا وكلمات لا للتطرف ...حتى في عدم التطرف
ما أحبّ أن نحبّ .. وما أكره أن نكره
كريم سمعون
أيها العبقري ملأت روحي فرحا بما قرأت فلقد اختزلت المعاناة الكونية ببساطة وعذوبة
وما الحضارة إلا ارتقاء النفس وسموّها ونبلها .. ولم تكن الحضارة يوما كما يزعمون ببريستيجات جوفاء وتكنولوجيا ( لا أعني التكنولوجيا بالعموم طبعا بل بالمعنى السلبي لها ) تبعدنا عن إنساننا لتجعلنا نتشيّأ ونفقد صلتنا بأرواحنا وطبيعتنا وطبيعيتنا
لك المحبة والتقدير أخي الغالي أستاذ قصي ..
شهادة الأمير شهادة وسام أعتز به وأفتخر ..
الغالي الأخ والصديق كريم سمعون..أوافقك الرأي بوجهة الحضارة السلبية
التي سرقت الأنسانية من ارواحنا بمادياتها المثقلة..ورغم بهرجة الحضارة
الا أنها أصبحت كالغابة البقاء فيها للأقوى..وخاصة في بلدان العالم الثالث الذي
أخذ من الحضارة قشورها وفقد من أرثه اللب..
تحياتي أخي وصديقي الغالي العزيز الأمير كريم الكريم
هو الحنين إلى الطبيعة و الحياة المجردة من الزيف
و ما ينجر عنه من متاعب من الركض وراء المادة.
أسلوب سلس شدني و حنكة قصصية واضحة جعلتني
أتابع القصة بكل شغف.
دمت و دام ابداعك أخي الغالي قصي
تحيتي و تقديري
الشبيهان
في كل مرة عندما يصل (صباح) الى أطراف القرية المترامية
الأطراف ليصل الى الجدار العازل ما بين قريته أم العوافي
والقرية المجاورة أم الخير كان يتمنى ان يرى الحياة خلفها
فغير مسموح لكل ابناء القريتين التزاور، ولأن الجدار العازل
شاهق الأرتفاع وسميك المتن ، وهناك عُرّف لا يسمح
بالتواصل بين ابناء القريتين ،لم يسطع رؤية القرية الأخرى،
أم العوافي قرية تعيش أكتفاء ذاتي فليس هناك للنقود مكان في
القرية بل تتعامل بالتبادل.
القرية يشطرها الى شطرين نهر ينبع من أعالي جبل يطل عليها
ليضيف لمسة سحرية عليهافي الغسق وعند الفجر،بيوتها من الطين
خلف كل بيت بستان صغير،بساتينها عامرة بالفاكهة وأرضها
خضراء بعشبها الفائق الخضرة،النسوة عند الظهيرة يتجمعن
لغسل الملابس في شريعة النهر الوحيدة معهن القرب لجلب ماء
الشرب،الرجال صباحا مبكرين الى مزارعهم..يعودون مساءً الى
البيوت محملين بخضرة طازجة،السوق الوحيد في القرية يفتتح
بعد صلاة الجمعة للتبادل.
صباح راعي الغنم ينهض مبكرا ليتناول فطوره من كأس الحليب
الطازج وبيضة من دجاجاته وكسرة خبز شعير,يخرج حاملاً ناقوسه
ليعلن تجمّع أغنام القرية للرعي,وهو يدور في أزقة القرية زقاق
زقاق،يأخذها الى أطراف القرية ويتمتع بغداءه ممن حوله من الزرع
وفي جعبته قربة ماء صغيرة مع كسرة الخبز التي لفها في
وصلة قماش، فهو لايسمّن المواشي لمصلحته الشخصية،إنما بفائدة
تعود لكل أبناء القرية،وكثيرا ما أكتفى برأس بصل وكسرة خبز ليسد
رمقه وهو في أوج سعادته،لا يشغل باله شيء بقدر ما يرى القطيع
قد أُتخم،ويعود به مرتاح البال ليضع رأسه على الوسادة ويذهب في
أغفاءة حالمة.
في القرية الأخرى كان فيها كل مظاهر الحضارة من فنادق ومطاعم
وعمارات شاهقة ومترو وشوارع وحدائق وسيارات فارهة وأبراج
ودور سينما ، وكان عامل المطعم(صباح) يعمل بوجبتين ليسد
تكاليف أقساط شراء الشقة وتكاليف للدراسة الجامعية وأجورخطوط
النقل ،أضافة لتكاليف المعيشة اليومية وتكاليف التأمين وأجور
الكهرباء والماء والنت وضرائب البلدية ..كان ينام وكوابيس الأقساط
المطلوب دفعها يقض مضجعه..فكثيرا ما تناول حبة منوم لينام نوما
عميقا لا يمر فيها بسلسلة النوم الطبيعية ليتخلص منها...
في يوم غائم..صادف ان تواجدا الأثنان خلف الجدار العازل بنفس
المكان،وفجأة أرعدت السماء،فضربت صاعقة الجدار العازل وأحدثت
شرخا فيه في نفس مكان تواجدهما،بعد هدوء العاصفة،أنتبه
الأثنان الى الفتحة التي أحدثتها الصاعقة..
نظر الراعي الى الجهة الأخرى،فبهرته الأنوار والعمارات الشاهقة
فتنحى جانبا مغمض عينيه في لحظة انبهار،بنفس الوقت نظر العامل
الى القرية في الجانب الأخر وبهرته الخضرة والبساتين وحياة البساطة
التي بدت ظاهرة من خلال هذه الفتحة على أزقتها وبيوتها
وهنا..التقى الوجهان..فأخذتهما الدهشة..كأن كل منهم ينظر في
المرأة،فهم أقران سناً،وأوجه التشابه بينهم تكاد تكون متطابقة،تجرأ
الراعي صباح وسأل شبيهه:ما اسمك.. أن أسمي صباح..
عقدت الدهشة لسان العامل،وأجابه مرتبكاً..وأنا كذالك..
بعد أن زالت الدهشة منهما،أتفقا ان يتبادلا الأدوار ليجرب كلٍ
منهما حياة الأخر على يمارسا أعمالهم ويعودا مساءً هنا للعودة
لبيتهما،أتفقا منذ هذه اللحظة تنفيذ الأتفاق.
مرَّ يومان على الأتفاق وكانوا يعودان مساءً ليعود كل منهم لداره
وقريته،في اليوم الثالث عاد الراعي صباح الى مكان الثقب في
الجدار بموجب الأتفاق، بعدما سئم من هذه الحياة المتعبة المقيدة
للروح الأنسانية وقرر ان يذهب لشبيهه ليلغي الأتفاق ،صعقته
المفاجأة،الجدار قد أغلق،ووجد ورقة مكتوب فيها:شبيهي العزيز..
أعتذر عن الأخلال بالأتفاق،تنعّم بحضارتي، وأرتضيت
أن أكون بديلك..والى الأبد
القصي....
.................................
قصة جلبني اليها اسلوبك الرائع ووصفك المبدع لعالمين عبر قلمك عنهما بدقة فائقة الجمال.ابان قراءتي لها وجدت تعابيرك تجسد واقع الحياة بين عالمين يجاور احدهما الاخر. وانهيتها يا اخي وصديقي قصي الطيب بلغز يبقى في ذاكرتي حول موقف كلا الصباحين اتجاه اهالي القريتين. احدهما وخلال يوم واحد ياتي بقطيع الغنم !!!!!
والاخر يواجه ابناء قريته بمئات من علامات الاستفهام !!!!!! يعني مختصرا: الراعي المسكين تكرم راح يشبع نعل هههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
بقصة قصيرة وليست بعيدة عن ادراك اي منا تطرقت الى عالمين متناقضين بحيث جعلتنا نعيش الحدث وكاننا ابطاله.
فزال استغرابي بعد ان عرفت كاتبها هو اخونا قصي الطيب.
دمت قلما مبدعا ، وتقبل سلام الاخوة يا ابن العراق الابي.
اخوك ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان
هو الحنين إلى الطبيعة و الحياة المجردة من الزيف
و ما ينجر عنه من متاعب من الركض وراء المادة.
أسلوب سلس شدني و حنكة قصصية واضحة جعلتني
أتابع القصة بكل شغف.
دمت و دام ابداعك أخي الغالي قصي
تحيتي و تقديري
الأخت ليلى..
جزيل شكري وأمتناني لمرورك الحاتمي الأنيق
أردت في هذه القصة الرمزية ان تذكر كم سرقت الحضارة
منا متعة الحياة الروحانية الممزوجة مع الطبيعة بغض النظر
عن التكنلوجيا ...
تحياتي وتقديري
هو الحنين إلى الطبيعة و الحياة المجردة من الزيف
و ما ينجر عنه من متاعب من الركض وراء المادة.
أسلوب سلس شدني و حنكة قصصية واضحة جعلتني
أتابع القصة بكل شغف.
دمت و دام ابداعك أخي الغالي قصي
تحيتي و تقديري
سعيد انها اعجبت اختنا الغالية ليلى عبد العزيز
أمتناني وتقديري لمرورك الحاتمي الأنيق
تحياتي وتقديري وفائق احترامي
النص فيه انتماء واضح للطبيعة و حياة البساطة بعيدا عن التكلف و ضغوطات الحضارة التي أصبحت مهتمة بزيادة تغولها مستندة للعمران و التكنولوجيا
المقابلة كانت جميلة أبرزت بوضوح جمال الطبيعة و حياة البسطاء و في نفس الوقت أظهرت الحضارة كغول يتحضر لالتهام البشر
نص جميل يحمل قيمة رائعة و من يستطيع أن يغفل جمال الطبية و سحرها
فمهما طغت التكنولوجيا تبقى باهتة مقارنة بالحقول و الحدائق
أعجبني النص كثيرا و لكنني توقفت معك في العنوان و رأيته يشي ربما بالمتن رأي لا ينقص من جمال النص
بقي فقط ملاحظة ثانية و هي عن الصاعقة التي فتحت بالجدار فتحة ، ربما كان لو أتينا بجرذ قام بحفر الجدار، و هو رأي قد نزيحه من رؤوسنا عندما نفهم أن النص هو خيال افتراضي بحت صنعه خيال الكاتب الذي جلب قريتين، و شخصين متشابهين ليوصل قضيته، فلا ضير أن يمعن الكاتب بخياله نحو حدث فجر القضية و عقد من حبكة النص و جعلها متينة مترابطة بحدث مفاجئ طارئ و طبيعي
هذه الملاحظة فقط لأقول أن للطبيعة قوة على النص، قوة شكلت فضاءه و غيرت من مسار حياة البطلين
عالم البساطة والنقاء
وعالم التكنلوجيا والحضارة
دفع فضول كل منهما للتعرف على طبيعة عالم الآخر
ولتكون النتيجة لصالح البياض والنقاء والبساطة بعيداً عن التكلف والبهرجة والخداع