في منتدى «الأدب العربي» الذي أغلق منذ مدة كنت أنشر قصائدي منذ ثمان سنوات تقريباً وكلها من الشعر العامودي وكان في المنتدى ثلة من الشعراء تكتب قصيدة النثر، وقد تشكلت بيننا صداقة تحت مظلة الشعر. وانقسمنا إلى تيارين تيار الشعر العمودي، وتيار قصيدة النثر، ودار السجال بين التيارين حول مشروعية قصيدة النثر. وفي خضم هذا السجال أذكر أن الشاعر المغربي مصطفى المسعودي نشر قصيدة بعنوان «قلب الشاعر»، وهي قصيدة منثورة فأهديته قصيدته ذاتها بعد صياغتها عامودياً لكي أثبت له ولحزبه أن القصيدة العامودية لا تزال تملك القدرة على التعبير عن هموم عصرنا وقد قدمت لهذه القصيدة بالمقدمة التالية: أخي الشاعر القدير مصطفى المسعودي: اسمح لي أن أهديك قصيدتك الرائعة متنكرة بثوب جديد، ووجه جديد، ولكنه شفاف لا يخفي ملامح القصيدة الأصل يأخذ من جمالها ولا يزيده راجياً من الله أن لا أكون قد أسأت إلى روعة قصيدتك، أو أحدثت فيها بعض التشويه غير المقصود. فقد ترجمتها كما فهمتها، وفهمي بالطبع لها لن يصل إلى فهم مقصد الشاعر ومراميه. فكما يقال (المعنى في قلب الشاعر).
قلب الشَّاعر
مسكينٌ في هذي الدنيا من يحملُ قلباً كالشَّاعرْ
إذ كيف سيحيا في زمنٍ ساكنهُ كالوحشِ الكاسرْ
فيه الأشياءُ بملمسها جارحةٌ كالسَّيف الباترْ
إن كان الصُّبح يُجرِّحهُ أحياناً بنسيمٍ عابرْ
فتصوَّرْ حالتهُ لما يقصدهُ إعصارٌ فاجرْ
* * *
قد ضقتُ بسجني في داري يا هذا العصفورُ الطائرْ
بالله أعرني أجنحةً لألملم ذاتي وأسافرْ
* * *
بالأمسِ وفي شرفةِ بيتي كلَّمني الحزنُ بلا ساترْ
هل تشربُ شاياً؟ لا شكراً فنجاني بالقهوةِ عامرْ
وكأنَّي الضَّيفُ على حزني في بيتي وكأنَّي زائرْ
فسهرنا اللَّيل وناقشنا ما كان يعنُّ على الخاطرْ
حتى فوجئتُ به يغفو وينامُ على فخذي الحاسرْ
وفؤادي يرنو كشريدٍ في اللَّيلِ إلى القمرِ الدائرْ
أرخى الأحزان على كتفي وتوارى في الزمنِ الغابرْ
* * *
لو أنَّي حجرٌ أو شجرٌ إنسانٌ آخرُ لا شاعرْ
فأسيرُ على الرملِ وحيداً كالعتمةِ في جوٍ ماطرْ
لا أبكي أبداً كحزينٍ ما عاد على الحزنِ بقادرْ
أَوَ تأسرُ قلبي أغنيةٌ تقتلني باللَّحنِ الآسرْ
* * *
قالت لي ليلى حين رأت كثباناً من حزنٍ غائرْ
ما هذا الحزنُ فقلتُ لها لا شيء سوى حزنٍ عابرْ
* * *
يا قاتل قلبي يا قدري أدركني بجوابٍ سافرْ
هل جئتَ تُودِّعني حقَّاً وقريباً جداً ستهاجرْ
فلمن تتركني مكتئباً ووحيداً في الزَّمنِ الكافرْ
يا من ودَّعني هل تدري كم حزنٍ ليس له آخرْ
أغرقتَ الحيَّ بأحزانٍ تتدفقُ كالبحرِ الهادرْ
قنديلٌ جفَّتْ دمعتهُ في أقصى الرُّكنِ معي ساهرْ
جدرانٌ تكتمُ صرختها بالصَّمتِ الجبَّارِ الحائرْ
وندائي الأول والثَّاني والثَّالث... لا بل والعاشرْ
كلُّ الأشياء تحدِّثني بالحزنِ ولي قلبٌ فاترْ
حتَّى الأفراح تمزِّقهُ ويظلُّ كعادتهِ صابرْ
مشغولاً بغدٍ لا يأتي وتهاجرُ - قل لي - وتهاجر؟!
ما أقسى قلبكَ يا هذا إهجرني إن شئتَ وهاجرْ
لكن لا تنسَ وقد بَعُدَت أسفاركَ أنَّكَ يا شاطرْ
أسْقَطَتَ شهيداً برصاصٍ محشوٍّ بغرامٍ غادرْ
وتذكَّر أنَّكَ يوماً ما برحيلكَ يا حظِّي العاثرْ
لم تقتلْ قلباً بشريَّاً في حَجَرٍ بل قلبَ الشَّاعرْ
الأخ طاهر عبد المجيد في البداية دعني ارحب بك في النبع وعلى ضفافه... وفي الأخرى أثبت النثر حضوره الثري في الساحة الأدبية وهذا لا يلغي الحضور القوي للشعر العمودي بل هو أساس الشعر العربي وسيبقى علامة بارزة في الأدب العربي فالنثر نثر والشعر شعر موزون سواء أكان بقافية أو بغير قافية تحياتي وتقديري
لولا الحزن ما أدركنا مكامن الإبداع يوما
فلا غنى لقلب الشاعر عنه
وجدت هنا نكهة مغايرة بطعم الذهول
شاعرنا المتألق طاهر عبد المجيد.. مبدع بكلّ طقوسك
شهد مودّة يقطّر فرحا يشتهيك
نص شعري هادر
يذخر بالروعة والشعر الفاخر
آه ما أحلي شعرك يا شاعر
نص مرسوم القا واساور
فلتقبل شكري يا شاعر
وبالمناسبه قصيده النثر حضورها ووجودها وانا مع كل الشعر
أشكرك أخي قصي على هذا الترحيب وأتشرف في الانتساب إلى هذا المنتدى الراقي. أما بالنسبة إلى قصيدة النثر فاسمح لي أن أخالفك في الرأي فقصيدة النثر هي مولود معاصر وبنت الحداثة ولا أعتقد أن لها صلة بالشعر العمودي وقد قامت على نسف أهم أركانه وهو الإيقاع أو الوزن والقافية بخلاف قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر. وهذا موضوع يطول الحديث فيه. المهم أن الخلاف لا يفسد للود قضية كما يقال.