انتظرت مع المنتظرين دوري في الطابور الخامس...
بيد مرتجفة وقلب متضخم سلمتها رسالتي، وعلى شفتي انزلقت ابتسامة خجلى...
وقبل دفعة من ابتسامتها الميتة طويلا حدقت في...
ثم قامت...
فتحت الخزانة فكاد قلبي ينفتح ... في حافظة البريد الوارد أسكنت رسالتي فسكن الولع المشتعل
في شرياني الوارد...
وإلى أريكتها الناعمة مثلها عادت...
أخذت نفسا عميقا، وبسيل من الكلمات السريعة شرحت لي مخطط الشغل في إدارتهم مؤيدة شرحها بقرارات التعيين ومذكرات التقويم وأبراج التنجيم...
كل ذلك ولساني منعقد والصمت يسكنني...
بكامل وجهها الصبوح استدارت نحوي بعد أن سلقتني بنظرتها الجسورة, قائلة:
لا تنزعج ربما ستتغير الأمور مستقبلا... اهتف وســــ...
قلت: آنستي الفاضلة... دقائق من وقتك السمين... رجائي أن تقرئي رسالتي ولو مرة في العمر...
لا تمزقيها فعمري ساكن فيها ... وفرحة القلب تحيا في معانيها...
اقرئيها فقد عيل صبري وانقطع حبل احتمالي...
ارتعشت أرنبة أنفها قليلا وهي تمرر أصابعها الصغيرة بتوتر في شعرها الطويل ثم تنهدت و قالت:
حاضر... ونهضت من جديد.
تعبأت اللحظات قشعريرة أطارت حمام الطمأنينة من ساحة قلبي..
أتت برسالتي- وقد أرسى البوح سفينته على خلجان قلبي- وأنشأت تقرأها:
--------------------------------------------------
في بلاد الصبابة
لخمس خلون من عمرينا
أما قبل(1):
تتذكرين جيدا أول لقاء جمعنا في ملعب الأيام... أين تركتني أتخطى دائرة النصف وجميع الخطوط البيضاء...
ولما حاولت في نهاية المقابلة أن أستفسر عن عنوانك، شريط أيامك، مذكرة أحلامك، مفضلة ألوانك، جعبة أحزانك... أوصدت في وجهي الملتاع شباكك...
رغم أني علمت من تلك اللحظة أن شخصي المتواضع قد وقع فريسة لشباكك المفتولة وكلماتك المعسولة...وأن سوسن الأمل قد نبت على شرفات مقلتي...
ولا أدري بعدها لماذا تركتني- طيلة هذه المدة- أعاني كربا وشدة ضائعا خارج التماس موقوف الإحساس...
أتلقى من هنا وهناك ركلات جانبية أوجعت حارس قلبي الضائع في ميدانك...
وبكل روح روحانية أقر أنني لم أبحث عنك في حصة (كل شيء ممكن) لأنني ظللت طيلة هذه المدة أبكم...
وأقر أن وجودي وراء العارضتين لن يفل إصراري الدائم على عدم البقاء متفرجا في كراسي مدرجاتك الفارغة إلا مني...
سوف لن أنزع بذلتي الرياضية حتى وإن صممت على طردي من ملعبك بالبطاقة الحمراء القرمزية...
سوف أظل أراسلك- وإن أخطأت عنوانك- حتى أملأ برسائلي جميع صناديقك البريدية...
سأرفع ضدك دعوى قضائية يا ساكنة قصور أوهام عاجية...
----------
عريضة افتتاح دعوى قضائية
من ساحة إلى ساحة
لفائدة: الهائم بن النائم الساكن بحي الالتياع, المهنة: باحث .. عن الضياع.
ضـد: صـاحـبـة الوقـت السـمـيـن...
ليكن عند حسن ظن عدالة رؤساء أوحالك- عفوا- أحوالك الشخصية.
حيث أنني أحوز قلب صاحبة الوقت السمين حيازة ظاهرة ومستمرة وهادئة منذ أول يوم تعرفنا فيه على القاعدة وتناولنا فيه طعاما على الأرض لا على المائدة وخالفنا السنن السائدة.
حيث أنني سبق وأن طلبت تجديد اللقاء ومن ذلك اليوم لم أهدأ ولم يهدأ روعي خصوصا بعد أن حكم قاضي قلبها بعدم الاختصاص النوعي.
حيث أقنعت بعدها قاضي الأمور الاستعجالية بتصنيف دعوتي ضمن دعاوى العودة إلى المساكن الوردية وبكل اعتزاز وفخر تحملت مصاريف نظارتها الطبية (2).
حيث أقسمت ألا تسيل دموعي ,وإن حجزت تحفظيا بل وتنفيذيا على جميع مصابيحي وشموعي,بل حتى وإن تجمد في أجفاني التعب وسكن في أحشائي الصخب....
وبناء على ما تقدم ذكره ألتمس :
• أن تأمروا لا محالة بسفري إلى الحجاز بغية تعقيد مراسيم الزواج.
• وأن تأتوا لي بها من الأهواز وتقروا بحيازتي لقلبها على المجاز.
• و لا تتركوني كالظل وراءها أجري والناس ترمقني وأنا أجول بين الكر والفر.
• وأخيرا أن تمهروا أمركم بصيغة سرعة الإنجاز وتثبتوا لنا عدم الانحياز.
توقيع المغني
الملصقات والمرفقات:
- طلب تجديد اللقاء.
- الحكم القاضي بعدم الاختصاص النوعي.
- شهادة تثبت عدم هدوء روعي.
الهوامش والهواجس:
(1) – عفوا نسيت السلام ( منا السلام تبثه أشواقنا ما ضاعت الأنسام والأطياب).
(2) – كوني قوام عليك.
------------------------------------------------
أنهت قراءة الرسالة وفي شفتيها ألقى الصمت دهشته... أزاحت خصلة نافرة من شعرها الذهبي... ثم تنهدت وخاطبتني قائلة:
- خاطرة جيدة... ويؤسفني أن لا أقرأ لك بعدها...
- سيدي أنا مشغولة على طول...
كقط مبلول انتفضت وبسلة المهملات ارتطمت...
هدأت من روعي قائلة:
- لا تنس يا ( ... نسيت اسمك) خذ وصل الوداع...عفوا... وصل الإيداع.
ورحت وراحت تشيعني بابتسامة كاذبة ولا أظنها سمعتني وأنا أصيح في داخلي:
- نـكرا سيدتي... لا تمزقيها فحبنا ساكن فيها!