حين كان عائدا من جلسة خمريّة أعقبتها ليلة حمراء. توقف الأستاذ نور الدين الصالحي قليلا ريثما أشعل لفافة.
شدّة سكر الأستاذ نور الدين الصالحي، هي التي جعلت علبة الثقاب تفلت من بين يديه لتستقرّ بين رجليه المضطربتين، حتى قبل أن يتمكن من إشعال لفافته. حين أنحنى الرجل الثمل كي يستعيد علبته، ألتقط معها ورقة نقدية من فئة العشرة دنانير كانت العلبة المنفلتة قد وقعت فوقها بالضبط!
أحتاج الأستاذ نور الدين الصالحي إلى وقت طويل قبل أن يتعرّف على لقيته( خصوصا و قد أهمل نظارته الطبية في البيت).
حين تأكد من حقيقة الورقة المالية حدث نفسه جذلا " لطالما سمعت بمن يصطاد بأسته"
ثم وهو يضرب مؤخرته!
"فها نحنذا نصير مثله!"
بيد مرتجفة فتح الأستاذ نور الدين الصالحي ــ الذي لم يكن صالحا قط ـ محفظته.. حدث نفسه فيما كان يدس فيها لقيته:
ــ وهكذا ضمّنا سكرة الغد!
ــــ 2 ــــ
بعد حوالي مائة متر قطعها الأستاذ نور الدين الصالحي بشكل متعرّج و باعث على الضحك، مرّ به جاره رضوان صابر.. كان الأخير في طريقه إلى المسجد.. تردّد رضوان صابر طويلا قبل أن يتقدم من الأستاذ نور الدين الصالحي محييا ثم ملتمسا و بكل استحياء سلفة قدرها عشرة دنانير!
قهقه الأستاذ نور الدين الصالحي طويلا.. أخذ يخبط فخذيه تعجبا من غرابة الإتفاق بشكل جعل رضوان صابر يتمني لو أن الأرض قد انشقت تحته ولم يطلب مليما واحدا من جاره اللئيم.
حين استعاد الأستاذ نور الدين الصالحي هدوءه سأل جاره بين قهقهتين خفيفتين!
ــ قلت عشرة دنانير؟!
ردّ جاره باستكانة:
ــ أجل.
سأله ثانية :
ــ أحقا تحتاج الى عشرة دنانير؟
طأطأ رضوان صابر رأسه ثم قال بصوت أشد خفوتا:
ــ أجل.
كرر سؤاله ثالثة:
ــ أعني عشرة دنانير بالضبط؟
تردّد رضوان صابر قبل أن يردّ
ــ أجل!
تحسس الأستاذ نور الدين الصالحي جيبه، تهللت أساريره بشكل أنعش الأمل في قلب مخاطبه الذي فوجئ به وهو يقول معتذرا:
ـــ آسف.. يا جاري العزيز فالحال زيّ بعضها!.
ــــــــــــــ 3 ـــــــــــــــ
وهو ينصرف عن جاره الخائب، تساءل الأستاذ نور الدين الصّالحي:
" أي كوميديا إلهية تدار أمامي؟!"
ثم وهو يتجنب عمودا كهربائيا كاد يصطدم به:
" بطريقة علمية.. بناء على ما تقدم يمكننا استنتاج ما يلي:
أولا: كان رضوان صابر سيمرّ حتما بنفس المكان الذي عثرت فيه على الدنانير العشرة، فلم سبقته إليها؟
ثانيا: أنا لا احتاج وعثرت على الدنانير العشرة، وهو يحتاج و لم يعثر عليها، ممّا ينفي حتميّا وجود أي تدبير الهي فيما يدور في الكون.
ثالثا: هو حرم رغم صلاحه، و انا أعطيت رغم فسوقي. وهذا يثبت دون ادنى ريب غياب مفهوم أساسي هو الثواب والعقاب.
رابعا: ضعف نظري عامل معيق كان سيحول حتما بيني و رؤية الدنانير العشرة فكيف اصبح عاملا مساعدا كي أمنح الدنانير دون جاري؟
خامسا: لقد أثبت الخالق (هذا لو فرضنا جدلا وجوده) بمنحي ما لا استحق انحيازه التاريخي ضدّ طبقة البروليتاريا!
ــــــ 4 ـــــ
و لأن الأستاذ نور الدين الصالحي لم يعاين غير مشهد واحد من واقعة ذات مشهدين اثنين فقد غابت عنه أيضا خمس حقائق هي التي حملته على ما ذهب إليه:
الحقيقة الأولى :أن جاره رضوان صابر كان أشد حاجة الى المال مما تصّور. لأنه لم يكن يحتاج الى عشرة دنانير فقط بل كان يحتاج في حقيقة الأمر الى خمسين دينارا كاملة لدفع معلوم كراء متأخر. و لكنه استحيى في آخر لحظة من طلب ذلك المبلغ الكبير، هكذا دفعة واحدة، خصوصا و قد ووجه بسخرية غير متوقعة.
الحقيقة الثانية: إنتفاء العبث الإلهي عن تلك الحادثة، لأن رضوان صابر سيعثر بدوره و قبل أقل من دقيقة واحدة على مبلغ أرفع بكثير من المبلغ الذي علق بأست الأستاذ نور الدين الصالحي!
الحقيقة الثالثة: عدم تفطن الأستاذ نور الدين الصالحي فيما كان يحلل الأحداث التي مرت به و بالتحديد لحظة اتهامه بغياب مفهوم الثواب و العقاب الى فقدانه ورقة مالية من فئة خمسين دينارا.
الحقيقة الرابعة: ان فقدان الأستاذ نور الدين الصالحي للخمسين دينارا يرجع و بشكل أساسي الى ضعف نظره الذي جعله لا يتفطن الى انزلاق الورقة المذكورة من حافظة نقود فتحها ليدس الدنانير العشرة!
الحقيقة الخامسة التي تدحض الإنحياز الإلهي ضد طبقة البلوريتاريا: أن نفس تلك الورقة الفقيدة هي التي عثر عليها رضوان صابر بعد أقل من دقيقة واحدة من انصرافه عنه!
أوسلو 26/4/2010
التوقيع
"لا أقدر على صبغ التّابوت باللّـون الأخضر "
محمّد الماغوط
تعالى الله عما يصفون
الأستاذ حمادي بلخشين
نور الدين الصالحي هذا ليس له من اسمه نصيب
ولا يمتلك الوعي أو الحجة لأنه أعمى البصيرة
سلمت يداك أستاذ حمادي بلخشين
قرأت نصا رائعا
حياك الله وبارك فيك
تقديري الكبير
تحية طيبة للجميع
رغم عمق المغزى لكن عملية التّرقيم هنا أجدها " برأيي المتواضع" قد خطفت الكثير من بريق النّص ، ليت كاتبها جعلها متوالية سردية من الهواجس وأحاديث النّفس
وفقكم الله
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟