غابت .. و هي تنثر دخان سجائري فوق لوحات الخريف العارية ... فتكسوها حلّة من ضباب حجبت عنّي الرؤيا .. كان خريف تلك السنة بنكهة شتوية خالصة و مذاق صيف منتحر على عتبات الشتاء .. امتزجت على حوافها خصلات الصّقيع المنسدلة في غير اهتمام و الشحنات الكهربائية لأيلول و ضفائر صيف ملتوية، قد تعبُر جسر مساء ما .. لتنقل عدوى حمى ساخرة ..
غابت .. و العناد المرسوم فوق شفتيها، حتى قبل أن تلتئم لديها رغبة الإدلاء، يشنق شرعيّتي .. و يفنّد لحظة عشق تناثرت حبّاتها لؤلؤا شاحبا فوق عمرٍ تقاذفته النساء .. فتلوّن المساء بلون خيبتي .. و شيئا من شحوبها ..
غابت .. كما لو أنّها مزّقت بغيابها، جريدتي لعمرٍ قادم .. كما لو أنّها استقالت منه فجأة تاركة له خيار النسيان و النسيان .. !!
و كنت حينها لمساءٍ آخَر، و آخِر مساء بعد فاجعة اللّقاء المغرور، في أشدّ لياقة غروري . ما كنت أرضى لامرأة أن تصفع ببلادةٍ قصائدي المحاكة على ضوء شموع الفاتنات .. و لا أن تتدحرج من فوق كلماتي لمجرّد المرور الكريم .. ثم تغادر أفرشة الذكرى متى شاءت هي .. و قبل أن أوقّع لها سند الرحيل .. ترحل هكذا و تتركني واقفا، مشدوها، غارقا في بحر صمتي الخامد، الذي لا تهزّه عواصف و لا رعود .
كانت تشبهني في شحنة الغرور الزائدة .. و في الرّصيد الهائل من الحروف، لذلك كانت قوية ... و كنت أخاف ممن تجيد ممارسة هواياتي ..
كنت حين أكتب أصنع لنفسي امرأة و أدمّرها أو أسجنها أو أقتلها كيفما أشاء و كأنّ الحروف صيدلية سموم، أبعثرها بين السطور لتتجرّعها أنثى، اختارت الانتحار على عتبات شعري .. كل النّساء حروف عشوائية، إلا تلك المرأة .. انساقت لها الحروف في طواعية كما لو كانت ستشنقها، ستقتلها ..
وكأنّني خفت أن تسجنني في صفحة قرأَتْها ذات مساء و هي تقلّب دفاترها القديمة و دواوينها القديمة و نزارها ذاك الذي تحدّتني يوما عبر صفحة جريئة كانت تقرأها له، فكان أن تعرّت التحديات من سذاجة السكون و تصبّبت تحرقني بلهفة كانت سجينة الصفحات قبلا، تلك الصفحة التي كانت تشبهني لمجرّد أنّي تحرّشت بها في حضورها، في لحظة سحرية انطبقت مواصفات الرّجل المحنّط بين حروفها عليّ، قرّرت أن تعذّبني بها و المرأة بطبعها تميل إلى التعذيب النفسي و إلى المكابرات الحرفية .. فأين سأجد كتابها هذا .. ؟ و كيف سأفكّ رموزه المشفّرة .. ؟ و كيف أواري دفتري المشنوق بحبل أفكارها .. ؟ و جثث الدفاتر قد لاحت فجأة و حجزت ضِعْف المسافات .. كيف لي أن أطرد شبحها .. ؟ بعد أن تجاوزتني هي ببرودة دم و غابت ...
كنت ألتقي بها عادة و هي جالسة في حديقة الجامعة، تجلس وحيدة غالبا .. أشدّ ما جذبني إليها مطالعاتها الكثيرة و كأنّ قلبها المتعب يتنفّس أكسجين الكلمات و يضخّ آلامه حروفا " حرفا، حرفا " حتى تدبّ فيه حياة جديدة .. حتى في حواراتها و أحاديثها مراوغة كلامية، و كأنّها تستنجد بها عند كل عاصفة شعرية مفاجِئة، لحظة ضعف تنخر جدار التماسك الصلب، فيتفتّت و يتبعثر على أرضية المشاعر كآنية من فخار ... حتى و إن كان الحوار عاديا، فزوبعة كلماتها تلفّك و تدوّخك و تأخذك بعيدا لجزيرة نائية ... على ضفاف بحرها الأشقر بحدوده المبتورة القسمات .. تنسخك كزهرة ياسمين كي تسفك على حدود وريقاتها دم الأمنيات .
يلفّ تلك المرأة غموض قاتل .. رحلة في متاهات التاريخ . حتى عندما جمعتني بها الصُّدف و تعرّفت عليها من خلال صديقة كانت زميلتها من أيام الدراسة الثانوية تنكّرت لي، و لم تعرني من اهتمامها القدر الكافي الذي يرضي رجلا بمثل شحنة أحاسيسي المرهفة .. كأنّها كانت تقصد تحقيري حتى ترضي غرورها المجنون .. كأنّها أطفأت لقاءها الأول بي كما أطفأت شرارة الحوار الذي جرى بيننا ذات يوم، كأنّها أوصدت صفحة خريفية في وجهي و صفعتني بها، فكان وقع الكلمات المتساقطة على وجنتيَّ قاسيا . صفعة شقّت خارطة ود و عتاب صمّمتها صدفة لقائنا . كانت صفعتها مدمّرة، امتدت لِمَا بعد انتكاسة الخريف تلك .. لست أدري كم مرّ من الوقت حتى شفيت منها .. !!
اكتفَت بالقول " معريفة خير " دون أن تعلن للذكرى أنّها رأتني قبلا، أو أنّها شوّشت بفلسفة حديثها .. تاريخي .. قلبت صفحتي لتنتقل إلى صفحة اللاّمبالاة من خلال مخطّط جفاء محفوف الجنون .. حمَّلتني عدواها لليال طوال ..
علّمتني تلك المرأة كيف أجن و أمارس طقوس الغضب الحارق بين جدران سجن غرفتي و أصارع شبحها المتصوّر على قارعة طريق سكوني ..
ذات ليلة كنت ممدّدا أحاول عبثا الطفو فوق مسبح أفكاري و كان عميقا جدا .. و حتى لا تنكل الحيتان بجثثها .. علّني أتعلّم فنون الموت البطيء، دون رعشات و دون خجل ممن يترصّد سكرات التيه التي تتخلّلني، كلّما استدرجتْ أنثى .. خواطري إلى جزء نائي من ذاكرتي .. أنثى ليست كأيّة أنثى .. و كأنّها الجيل الوحيد من النّساء الذي يحمل مواصفات أنثى .. كأنّما شحنة الأحداث الأخيرة و صدف اللّقاء المجنون قد جلدت مرقص الكلمات العابثة، التي لطالما آثرت الاهتزاز العشوائي دون الرُّسو على حدود ميناء رواده أصحاب الطبقات العليا من مجتمع الكلمات الهادفة ..
رفعت قلمي و كأنّ نزوة اتزان ما، عصفت بحروفي الطائشة و العابثة و كأنّها الرغبة في الاستقرار بعد طول شتات .
كتبت على دفتر جديد لا يمتّ لها بصلة :
" في وقت تصدَّرت فيه أخبار الغزو الشاذ صحف الصباح و لم تترك للمساء غير الابتسامات الباهتة و الضحكات المنكسرة و لفائف التبغ المترنّحة بين أفواه مدركة و أخرى غابت في متاهات عدم الإدراك .. ساد القرية سكون تام، بعد ليلة مجهدة بكوابيس و لقطات كاذبة لانتصارات واهية وكأنّه النّصر الكلاسيكي، حين يرتدي حلّته الجديدة .. حلّة التمدّن ..
في زمان مضى، كنت أحيك قصصي من قصص جدّتي و تلك التي كانت تتقاذفها الألسن في شكل سلسلة مترابطة من الثورات و الفارق بينها يكمن في اختلاف اللّغة و الدين و عدم شرعية التمرّد .. و الاجتياح العاطفي المغمور بسطوة التملّك ... كانت حياكتي تصلح لأن يرتديها الوطن في لحظة تعرٍ .. ( تماما كما كانت هي حين يعتري سطوري شتاء متمرّد ) .. تنحني فتتغطّى الكلمات بظلّها الصيفي، تتبخر لعنات الشتاء لتُكَوِّن سحابة تظلّلني لسنة شتوية أخرى ..... الوطن .. حين لا يجد معاطفه الصوفية و (قشابية ) الأجداد الدافئة في عزّ البرد ... حين لا يجد بين الأفواه الممتلئة ( حشيشا ) نفسا دافئا يلطّف هفوة الشتاء القادم باكرا و كأنّه يتنكّر لتعاقب الفصول، يسترزق من الكلمات و يشعل لهفته المنكوبة بين زقاق مدينة نائمة و ينفث دخانه فيها ، حتى يغطي الضباب كهولة شوارعها .
كنت أستلهم من نشيد الأوطان لأكتب الشّعر، فكل دفقة شعورية يؤجّجها حنيني و حبي ( المفجوع ) لوطني و ترسّخها خربشاتي ( اللاّعشوائية ) على ورق حقيقي من شجر تغزّل يوما ما بجسد شهيد، انحناءة موت متعالية .
كنت أحفر في غابات شعوري، علّني أجد متكأ لحروفي المتدفّقة و نفقا طويلا يحرّرني من جنون الكلمات ... و غطرسة الأسطر المتمايلة و كأنّها تدعوني لأن أنحني لها ..
كنت أُعلِّق أشرعتي على أعواد الكبريت الهزيلة ... ( فقط ) ... لأجد روحي قد تأجّجت و حبست من أنفاسي أشدّها حرارة، لأبحر على وقع أعنف عاصفة غيرة على الوطن و على المرأة التي لها شموخ وطن و لوعة حنين للوطن ..فكانت وطني ..
مباركة كلماتك أختي الغالية حياة ..
لن أقرأ الرواية إلا مطبوعة ههههههههههههههه
مودتي
............
صديقي و اخي الكريم .. كريم
أولا أشكرك على المرور رغم أني اعلم أنّك لم تقرأ شيئا .. هههه
قد يحدث ذلك يوما . انتظرني حتى أكملها و بعدين تحدث ..
ههههه
كلّ التقدير و الاحترام ..
حياة صباحك ألق وسرور حين أدخل لأي صفحة وأرى السطور طويلة
ومتعددة أهرب فورا هههههههههههههههه رغم محبتي لحرفك
ولكن بشرفي أعدك سأتفرغ يوما كاملا لهذه الرواية
ولكن لن أرحم حينها ولن تغضبي
لروحك الألق يا شقيقة الروح
التوقيع
أنا شاعرٌ .. أمارس الشعر سلوكا وما أعجز .. أترجمه أحرفا وكلمات لا للتطرف ...حتى في عدم التطرف
ما أحبّ أن نحبّ .. وما أكره أن نكره
كريم سمعون
حياة صباحك ألق وسرور حين أدخل لأي صفحة وأرى السطور طويلة
ومتعددة أهرب فورا هههههههههههههههه رغم محبتي لحرفك
ولكن بشرفي أعدك سأتفرغ يوما كاملا لهذه الرواية
ولكن لن أرحم حينها ولن تغضبي
لروحك الألق يا شقيقة الروح
...........
و مساؤك أسعد أخي كريم ..
تعلم جيدا اني انتظر و منذ زمن قراءتك .. و تعلم انّي سأكون في انتظار قرار إجبارية القراءة فعلى ما يبدو هذا ما يجب ان يحدث
كي تقرأ ... هههههههههه
اكيد لن اغضب .. على الرحب و السعة ( فقط فليأتي ذلك اليوم .. تعبت من الانتظار .. )
سعيدة بحضورك .. كل التقدير
حيـــــــــــــاة كوني معي لو سمحت ترجمي لهم من أنا
أستصعب التفاهم معهم
أختي لا تتركيني
..........
صديقي و أخي الشاعر الشاعر ..
لا شيء يترجم حضور الأرواح النقية ..
لذلك كن كما كنت دائما .. فأكيد لن يستصعب شيء بعد ذلك ..
و تاكد أنّي هنا حاضرة ..
كل التقدير و الاحترام ..