كان يوما شديداً علينا عاصفاً موجعاً ونحن نشهد سقوط الصرح.. هي الذكرى التي لا تنسى ولا تمل استذكارها قلوب عصفت بها أنواء الوجع العربي من كل مكان.. كان نَفَسي ضيقاً مختنقاً محترقاً وأنا أحاول الخروج من دوامة الشوارع المملوءة بالحواجز الكونكريتية فالوصول الى أي مكان صار أمراً موجعاً.. وبعد جهد ولأي وجدتني عند النهر.. دجلة العريق.. ولكن! واجهتني ملامح سطوة وعصف وعنف.. كان جنود الإحتلال قد اتخذوا الجسر ثكنة عسكرية فمنعوا مرور أي عراقي عربي إنسان الى ذلك المكان .. صفعتني وجوههم القاتمة بوجع الذكرى ووجهوا اليّ أسلحتهم وأنا المرأة العزلاء، وهددوني بالقتل إن لم أبتعد ولم أكن ادري أين أذهب فالنهر أمامي والقهر بجانبي وخلفي، حاول بعضهم الاساءة اليّ باللفظ و.. لكني شعرت بقوة تنبع من داخلي وأنا أدفعهم عني بشدة .. وذكرتهم بصفيق الحذاء هاجوا وماجوا بعضهم راح يطلق النار عشوائيا والأخر يحاول الإمساك بي لكني تمكنت من الهرب فبغداد أنا وشهرزاد تعرف دروبها حتى اختفيت عن الأنظار..
وفي حلكة درب ضيق وجدته هناك يكتب، ويكتب، ويكتب .. هيئته جعلتني أخاف فأنا وإن كنت مجنونة أحيانا إلا أني أخاف المجانين فاقتربت منه ببطء وصمت.. أحس بي رفع رأسه اليّ قائلا : من أنت إنسية أم جنية ؟
أعجبتني صيغة السؤال التي لم أعتادها واستجمعت شجاعتي لأجيب : إنسية ولكن من أنت ما الذي يُجلسك هنا ؟ وما هذه الأقلام والأوراق الغريبة..؟ ومالي أشم فيها عبق التاريخ الجميل ..؟؟
ابتسم في وجهي قائلا: جئت من عمق الزمن كي أرى ما حلّ بهذه الأمة فوجدت العجب العجاب!!
اطمأننت اليه قليلا، وسألت : ماذا رأيت سيدي ؟ قال : وجدت الغرابة والسحر والموت معا ..
قلت : كيف ؟ قال: وجدت عمرانا مهدما وتطورا تكنولوجيا رهيبا يبعث الى الموت أسلحة فتاكة يقتل بها القوي الضعيف وتغتال بها البراءة والطفولة ..! اقتربت اكثر وقلت : ماذا ايضا ؟
قال: وجدت أمة فرقها الدينار والدرهم وباعت نفسها للشيطان إلا من رحم ربي .. وجدت الحكم بيد الطاغوت .. وجبروت القوة الشيطانية يتحكم في الأمة وعمالها نائمون .. يغضون طرفهم عن وجع الشعوب والحجة أنهم يحمون الشعوب..قلت سيدي وكيف رأيت بغداد؟
قال : رأيتها تبكي زمنا مضى كانت فيه دار سلام وأمان .. وجدتها محاطة بالقهر والعدوان ..وجدتها تنتظر الخلاص من الجبروت والطغيان .. ولمحت ايضا! .. ثم سكت
قلت: سيدي ماذا لمحت ؟
ابتسم لي قائلا لمحت بريق أمل يخطو من عمق بغداد كي يملأ الكون عدلاً وقسطاً .. كي يعيد للعروبة مكانتها وللأمة عنفوانها .. نعم حضرت تلك الواقعة حين صُفق وجه القرد بالحذاء .. نعم التاريخ يكتب كل شيء .. لعل الوجع يسكن أعماق النفوس والقهر يتحكم بمعايشها لكن في بغداد العراق أرض السواد تاريخ عريق ..حضارة لا يشق لها غبار ولم تمسحها غزوات التتار ولن تستبيحها القرود والأقدام السوداء مهما طال الوقت ولكن! ما اسمك أنتِ؟ قلت أنا بغداد.. شهرزاد.. حاول الشر استباحتي لكنه ومهما فعل لم يستطع ولن يستمر.. ومن أنت سيدي؟ قال : أنا ابن بطوطة حاول البغاة الصهاينة قتلي في غزة لكنهم لم يقدروا لأني تاريخ والتاريخ قد تشوه معالمه لكنه لا ينتهي .. لا يموت ..حان الليل في مدينة السلام والاشباح بدأت تتوافد إذهبي يا ابنتي واختبئي حتى يُطل الفجر وتشرق الشمس من جديد..!
بغداد 8/5/2009
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
كان يوما شديداً علينا عاصفاً موجعاً ونحن نشهد سقوط الصرح.. هي الذكرى التي لا تنسى ولا تمل استذكارها قلوب عصفت بها أنواء الوجع العربي من كل مكان.. كان نَفَسي ضيقاً مختنقاً محترقاً وأنا أحاول الخروج من دوامة الشوارع المملوءة بالحواجز الكونكريتية فالوصول الى أي مكان صار أمراً موجعاً.. وبعد جهد ولأي وجدتني عند النهر.. دجلة العريق.. ولكن! واجهتني ملامح سطوة وعصف وعنف.. كان جنود الإحتلال قد اتخذوا الجسر ثكنة عسكرية فمنعوا مرور أي عراقي عربي إنسان الى ذلك المكان .. صفعتني وجوههم القاتمة بوجع الذكرى ووجهوا اليّ أسلحتهم وأنا المرأة العزلاء، وهددوني بالقتل إن لم أبتعد ولم أكن ادري أين أذهب فالنهر أمامي والقهر بجانبي وخلفي، حاول بعضهم الاساءة اليّ باللفظ و.. لكني شعرت بقوة تنبع من داخلي وأنا أدفعهم عني بشدة .. وذكرتهم بصفيق الحذاء هاجوا وماجوا بعضهم راح يطلق النار عشوائيا والأخر يحاول الإمساك بي لكني تمكنت من الهرب فبغداد أنا وشهرزاد تعرف دروبها حتى اختفيت عن الأنظار..
وفي حلكة درب ضيق وجدته هناك يكتب، ويكتب، ويكتب .. هيئته جعلتني أخاف فأنا وإن كنت مجنونة أحيانا إلا أني أخاف المجانين فاقتربت منه ببطء وصمت.. أحس بي رفع رأسه اليّ قائلا : من أنت إنسية أم جنية ؟
أعجبتني صيغة السؤال التي لم أعتادها واستجمعت شجاعتي لأجيب : إنسية ولكن من أنت ما الذي يُجلسك هنا ؟ وما هذه الأقلام والأوراق الغريبة..؟ ومالي أشم فيها عبق التاريخ الجميل ..؟؟
ابتسم في وجهي قائلا: جئت من عمق الزمن كي أرى ما حلّ بهذه الأمة فوجدت العجب العجاب!!
اطمأننت اليه قليلا، وسألت : ماذا رأيت سيدي ؟ قال : وجدت الغرابة والسحر والموت معا ..
قلت : كيف ؟ قال: وجدت عمرانا مهدما وتطورا تكنولوجيا رهيبا يبعث الى الموت أسلحة فتاكة يقتل بها القوي الضعيف وتغتال بها البراءة والطفولة ..! اقتربت اكثر وقلت : ماذا ايضا ؟
قال: وجدت أمة فرقها الدينار والدرهم وباعت نفسها للشيطان إلا من رحم ربي .. وجدت الحكم بيد الطاغوت .. وجبروت القوة الشيطانية يتحكم في الأمة وعمالها نائمون .. يغضون طرفهم عن وجع الشعوب والحجة أنهم يحمون الشعوب..قلت سيدي وكيف رأيت بغداد؟
قال : رأيتها تبكي زمنا مضى كانت فيه دار سلام وأمان .. وجدتها محاطة بالقهر والعدوان ..وجدتها تنتظر الخلاص من الجبروت والطغيان .. ولمحت ايضا! .. ثم سكت
قلت: سيدي ماذا لمحت ؟
ابتسم لي قائلا :لمحت بريق أمل يخطو من عمق بغداد كي يملأ الكون عدلاً وقسطاً .. كي يعيد للعروبة مكانتها وللأمة عنفوانها .. نعم حضرت تلك الواقعة حين صُفق وجه القرد بالحذاء .. نعم التاريخ يكتب كل شيء .. لعل الوجع يسكن أعماق النفوس والقهر يتحكم بمعايشها لكن في بغداد العراق أرض السواد تاريخ عريق ..حضارة لا يشق لها غبار ولم تمسحها غزوات التتار ولن تستبيحها القرود والأقدام السوداء مهما طال الوقت ولكن! ما اسمك أنتِ؟ قلت أنا بغداد.. شهرزاد.. حاول الشر استباحتي لكنه ومهما فعل لم يستطع ولن يستمر.. ومن أنت سيدي؟ قال : أنا ابن بطوطة حاول البغاة الصهاينة قتلي في غزة لكنهم لم يقدروا لأني تاريخ والتاريخ قد تشوه معالمه لكنه لا ينتهي .. لا يموت ..حان الليل في مدينة السلام والاشباح بدأت تتوافد إذهبي يا ابنتي واختبئي حتى يُطل الفجر وتشرق الشمس من جديد..!
بغداد 8/5/2009
الرائعة ازدهار
نص جميل فيه الصور والترابط وروعة البناء
استغرب لماذا وضعت النص في قسم المقال
أرى مكانه الأنسب هو القصة ..
فمقومات القصة فيه أقرب من مقومات المقال ..
في هذا النص وجدتك تستعرضين زمنا جميلا لبغداد وتبكين واقعا مريرا
وفي النص إشارات واضحة ورمزية جميلة
دمت مبدعة رائعة
سقت علامة الترقيم ( : ) ربما سهوا ..
وكذلك سقطت الهمزة عن كلمة كان ( كأن )
شكرا للأستاذ الوليد الذي قام بنقل هذه القصة إلى مكانها الذي ينبغي أن تكون فيه
تحية للأستاذة ازدهار التي قدمت لنا واقعا مريرا بإطار أدبي يستحق الثناء
تقديري لكما ولي عودة بإذن الله
تحياتي
وضعتها هنا لآنها تقرب من المقامة ومع هذا لكم الخيار في نقلها
المبدع الجميل الوليد دويكات
سرّني مرورك البديع وحسن غوصك بين سطور النص
شكراً لنور إطلالتك الذي إزدان به متصفحي
ممتنة لك جداً
مودتي وتقديري
لطالما قلت أنك قامة ومكسب كبير للنبع
وربما كثرة مشاغلي وظروف قاسية مررت بها
في فترة مرت حالت دون تتبع حرفك ورصد قلمك
بصورة كما ينبغي لها ...
يسعدني سعة صدرك
ورحابة تقبلك ملحوظاتي
وحسن تعاطيك مع نقل النص
لهذا القسم
شكرا للأستاذ الوليد الذي قام بنقل هذه القصة إلى مكانها الذي ينبغي أن تكون فيه
تحية للأستاذة ازدهار التي قدمت لنا واقعا مريرا بإطار أدبي يستحق الثناء
تقديري لكما ولي عودة بإذن الله
تحياتي
ابكاني هذا الموضوع .. ابكتني تلك الكلمات النابعة من الاعماق ..
عزائي ان الشعب لم يبع نفسه بالدرهم والدينار .. لكنه كان جائع .. عريان .. مريض .. خائف .. فرموا له فتات فتات موائهم ليأكل .. فقبلها ليسد رمقه لكي يقوى وينهض وينتقم منهم شر انتقام .. وقبوله لايعبر عن رضاه لوجود المحتل الغاصب داخل دياره ..
لكن ليبني هذا الشعب بدنه وتقوى شوكته .. ويسري دم جديد في عروقة .. لكي ينهض من جديد وبقوة وهمة وعزيمة ستكون كاسحة لكل الشوائب ..
هذا العراق .. من داس تربته بسوء .. قطعت ارجله .. ومن آذى شعبه .. انتقم منه الله تعالى .. ومن حفر له بئرا .. يقع هو فيه ..
تلك هي التي نسميها لعنة العراق ..
جولي بنظرك حولك .. سترين هذه اللعنة تجرف الجميع .. وقد جرفت البعض حكاماً وشعوب .. والقادم العن عليهم ..
فنظام العراق لم يزيله شعبه كما حصل ويحصل وسيحصل في بلدان أخرى .. بل تكالبت عليه الخنازير المجذومة من كل حدب وصوب ..
فردها لهم العراق برمية حذاء .. اصابت وستصيب الجميع .. وإن غدا لناظره لقريب ..