في أسلوب الحديث النبوي الشريف

قال صلى الله عليه وسلم ( من لم يدع قول الزور(1) والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) صحيح البخاري ، كتاب الصوم ، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم برقم 1903
...........
المعنى(2)
-------
الزور قولا
الإجابة: الزور: هو الميل، وقول الزور: هو كل قول مائل عن الحق، فالكذب زور، والشهادة بالباطل زور، وإن ادعى الإنسان ما ليس له زور، فهذه كلمة تشمل كل كلام باطل ومائل عن الحق، وقد بين النبي أن شهادة الزور من أكبر الكبائر قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، وجلس وكان متكئاً فقال: "ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور"، قال: فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت، إشفاقا عليه صلى الله عليه وسلم.(3)
الزور فعلا
وأما عمل الزور فهو غير قول الزور، فمثلاً من يتزين بزي أهل العلم وهو ليس منهم، أو بزي أهل الثراء وهو ليس منهم، أو بزي الفقراء وهو ليس منهم، فهذا زور، كما قال النبي لامرأة جاءته وقالت له: إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"، (4)و"ثوبي" لأن أحسن ثوبين عند العرب الإزار والرداء، وهي الحلة، وفسر أهل العلم هذا بأن الذي يلبس ثوبي زور كمن يظهر بأنه من أهل الغنى والثراء وهو ليس من أهله، أو معه سيارة كبيرة يكون قد أخذها بالأقساط أو الدين وهو لا يملك شيء، فهذا يكون غشاً ربما خطب فزوجوه، وربما أنزلوه منزلة أهل الغنى والثراء وهو مفلس. فهذا تزوير، وكذلك من يظهر التواضع والاستكانة والمسكنة والفقر والتدين ولكن قلبه ذئب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمان: "سيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس"، جسم إنسان لكن قلبه -عياذاً بالله- قلب شيطان.

والحيث الشريف ورد فيه المكون التركيبي وهو النظام الأسلوبي للغة النص (5)بجملة شرطيه أداتها أسم الشرط ( مَنْ ) وهو يفيد العاقل مبني في محل رفع مبتدأ لأنه تلاه فعل متعد استوفى مفعوله ( لم يدع قول الزور ) على أنه صلى الله عليه وسلم أورد هذه الأداة لأن فائدتها العموم فهي تشمل كل من لم يدع قول الزور على أنه صلى الله عليه وسلم أوجز المعنى المراد في الخطاب واحتواه من جميع جوانبه بوساطة أداة الشرط وفعلها وجوابه
(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) والملاحظ على جواب الشرط وهو الذي يتضح فيه أن الصوم ليس الامتناع عن الطعام والشراب وإنما هو صوم القلب اللسان والبصر ( فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) وقد ورد جواب الشرط تركيب جملة ليس التي تقدم فيها خبرها على اسمها وذلك لأن الصوم لله فقد اقتضى تقديم الخبر ( لله ) على اسمها النكرة

محفوظ فرج

9 / رمضان / 1437هـ
14 / 6 / 2016 م

...........
1- الزور : في اللغة الصدر وما حواليه من الأضلاع والزَّوَر بالتحريك : الميل ، وعنق أزور مائل وقال الأخفش في قوله تعالى (( وترى الشمس إذا طلعت تَزّاوَرُ عن كهفهم )) أي تميل . ينظر لسان العرب مادة (زور ) 7 / 77
2-المعاني من موقع ar. islamway.net الفتاوى عبد الرحمن عبد الخالق اليوسف
3- أحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام ، ابن دقيق العيد ، دار الجيل 1316هـ- 1995م كتاب الإيمان والنذور ، باب القضاء برقم 377
4- الحديث رواه أحمد برقم 26966 والبخاري برقم 4921 ومسلم برقم 2130
5-المكون التركيبي وهو ما ينجم عن التركيب اللفظي والمعاني في بعده التوزيعي من تجاوزات للأصول اللغوية كالتقديم والتأخير ، والحذف وما يتميز به التركيب من تشاكل وتناسب كالتكرار أو مخالفة كالالتفات .